تذكرت العبارة البغدادية الطريفة التي طلت بها قلبي منذ أول زيارة، فقد قالت حين رأتني أهم بالرواح:
(فراقك صعب، سيدي)
ورأيت من الخير أن أصرف ظمياء. وكانت لي سياسة أوحاها الشيطان، فقد رأيت الفتاة تقص أحاديث الشيخ دعاس وزوجته نجلاء بحماسة سحرية، ورأيتها تطنب في وصف ابنتهما الجميلة، تلك الفتاة التي اسمها درية، وهو اسم لا أدري كيف يلذع قلبي، ولكن لا موجب للمضي في سماع ما تقول ظمياء في وصف درية، فليس من الحزم أن تقول ظمياء كل ما عندها في ليلة واحدة. وهل أضمن رؤيتها بعد ذلك إن تم هذا الحديث؟ من الخير أن أصرف هذه الفتاة وهي في نشوة الحديث فلا أتعب في رَجْعها إلى منزلي حين أشاء
ولكن كيف أصرفها وقد استأنست كل الاستئناس؟
يجب أن أصرفها بعلة طبية لتتهيأ للمرض، فقد أمسيت أشعر بوجوب أن تصبح هذه الفتاة من مرضاي؛ ولا بد للطبيب من مريض؛ وستعافى ليلى بإذن الله، فلتكن لي ذخيرة ألتمس بها البقاء في بغداد. وكذلك صوبت بصري إلى الفتاة وقلت:
ما هذا الذي أرى بوجهك يا ظمياء؟
فانزعجت الفتاة وقالت بصوت مقتول: إيش بي يا عمي؟
فقلت وأنا أتكلف الحزن: سأخبرك يا بنيتي حين أجيء لعيادة ليلى. فاذهبي الآن واستريحي، وتجنبي التعرض للتيارات الوجدانية
فخرجت الفتاة مذعورة لا تُلوى على شيء. والجمال الساذج يفتن القلوب حين يكرثه الانزعاج