لو لم ألق توفيق الحكيم، ولو لم أقرأ كتابه (زهرة العمر) لظلت صورته التي صورتها له في خيالي هي هي لا تتغير. . . وهل يصدق القارئ أنني كنت أتصوره في هيئة سيدي العارف بالله السيد أحمد البدوي، مع أنني لم أر هذا العارف بالله إلا في صور تلاميذه وأتباعه ومريديه!
لا يتوهمن القارئ أنني كنت أخال أن لتوفيق الحكيم ذقناً ركبت فيه لحية مستطيلة على هيئة لحي أولئك المريدين الذين أحبهم وأعجب بهم. . . كلا. . . لقد كنت أتصوره بغير لحية، أو بلحية رباها في فوديه، تنبت بالدهن من رأسه الكبير!
ولقد ثبتت تلك الصورة التي تصورتها لتوفيق الحكيم في ذهني. . . ثم رسخت وزادت رسوخاً عندما قرأت له (عصفور من الشرق) لسبب واحد. ذلك أنه أهدى هذا الكتاب إلى
الست الطاهرة. . . السيدة زينب!!
لقد أكد هذا الإهداء العجيب صورة توفيق الحكيم في ذهني، ولولا ما أعرفه من تاريخ سيدي العارف بالله السيد احمد البدوي من أنه كان نظيفاً حسن السمت، لزدت في صورة توفيق الحكيم أشياء وأشياء. . . ولا داعي لذكر شيء منها، اللهم إلا (الشمروخ) الهائل، والعمامة الكبيرة الخضراء، والسبحة التي تزن كل حبة من حباتها رطلاً أو. . . أقة. . . ثم هذه (الفراجية) الكبيرة الفضفاضة!
ليتني إذن ما لقيت الأستاذ وما رأيته! وليتني ما قرأت زهرة العمر! ليتني ما رأيت الأستاذ الحكيم. لأن هذه الرؤية نسخت نصف الصورة التي تصورتها له، وليتني ما قرأت (زهرة العمر)، لأن هذه القراءة نسخت النصف الآخر لهذه الصورة التي كنت أحبها وآلفها، وأكبر توفيق الحكيم من أجلها. . . إن كل ما بقي من تلك الثورة هو هذا التثني الذي يجيده مريدو ولي الله البدوي وقت الذكر، أما (زهرة العمر) فإليك كيف مسخ الصورة الفقيدة الغالية الخالدة مسخاً:
(. . . لقد دخلت عليه الخادم في الصباح تحمل صينية الفطور، فوقع بصرها عليه في