السرير، لا يبدو منه إلا رأس يطل من اللحاف الناصع كأنه رأس يوحنا المعمدان على صينية الفضة، ولكن. . . حاشا الله أن يكون هذا معمدانا! صاحب هذا الرأس لا يمكن أن يكون من الآدميين! ذلك ولا ريب ما جال بخاطر الخادم، وهي تنظر إلى شعري الذي هب قائماً إلى ما فوق مسند السرير في شكل دائرة، كأنه هالة من (الهباب) الأسود على حافة الوسادة البيضاء. . . ثم ذهبت الخادمة تقول لسيدتها مرتاعة:(أتدرين يا سيدتي ما حل بدارنا؟) فسألتها: من؟. فأجابت! ' إنه الشيطان!)
ويقول توفيق الحكيم بعد هذا: ولعلها صدقت! ولست أدري ما ذكرني الساعة بهذه الحادثة كدت أنساها. ولم يذكرني بها حتى خطابك الممتع الذي حدثتني فيه عن ذلك القسيس الذي ظن (توفيق الحكيم بملابسه السوداء) الشيطان أو المسيح الدجال!. . . ومن يدري؟ لعلي أخذت عن إبليس صورته وهيئته! لكن. . . هل تظن أن لي أيضاً قلبه؟ لا أظن. وبعد. فلتسكت الطبول، وليغسل (البلياتشو) وجه، فقد انتهى الفصل المضحك
فاللهم لا حول ولا قوة إلا بك! نتصور الأستاذ الحكيم في صورة الأولياء والصالحين، وفي مسوح القديسين. . . ويصور هو نفسه في صورة الشيطان الذي له شعر فوق مفرقه كهالة من الهباب الأسود!
لقد أوشك أن يتفق معنا في صورة يوحنا المعمدان لأنه من القديسين والشهداء، كما تصورنا. . . أما الشيطان. . . فلا! وأما قلب الشيطان فمسألة فيها نظر، ونقول. . . مسألة فيها نظر للصورة الثانية التالية:
لقد كنا نؤمن بأن مؤلف أهل الكهف، ومحمد، وسليمان الحكيم، هو من خلق الله، أي من صنعه! ولكن. ليتنا ما قرأنا زهرة العمر! فتوفيق الحكيم يقول في كتابه هذا (. . . إن الله لم يخلقني! إنما هو الشيطان أراد أن يخلق طرازاً جديداً من الآدميين. أو (موديل!) من الإنسان، يضارب به الطراز الشائع المعروف، فجاء خلقه عجيب البناء غريب التركيب، به أثر من عبقرية الشيطان، ولكن به نقصاً ينم عن تخبط في شؤون الخلق والإبداع، ومع ذلك، حتى على فرض أن الله هو الذي خلقني لا الشيطان، فإنه كان لسوء حظي يضجر ويتبرم كلما جاءه جبريل بلوحي المحفوظ ليعين فيه خطوات حياتي. فقد كان يصرخ في وجه الملاك الأمين قائلاً:(اذهب عني الآن!) فيقول جبريل خاشعاً: (لكن يا إله السموات