ليست التيتوية (نسبة إلى المارشال تيتو عاهل يوغسلافيا الشيوعية اليوم) مجرد خلاف عارض بين دولتين شيوعيتين بواعثه خصومة سياسية أو حزازات شخصية بين ستالين وتيتو، أو اختلاف على زعامة الشيوعية العالمية التي اشترك هذان القطبان الماركسيان في خدمتها سنوات طوالا، أداتها مؤامرة مزيفة بين قطبين شيوعيين يخدمان هدفا واحدا؛ إنما هي (ردة) أيديولوجية جذورها في خلاف فكري عميق على مسألة دقيقة في التعاليم الماركسية تتعلق بتحديد العلاقات بين الدول اتخذت الشيوعية نظاما لها - تحديد يفسد على موسكو (وهي كعبة الشيوعيين) مركزيتها وسيطرتها المباشرة على النشاط الشيوعي في كل مكان، ويوفر للدول الشيوعية خارج الاتحاد السوفييتي حرية في التصرف تخالف مبدأ الوحدة الشيوعية العالمية وما تدعو إليه من تحالف وتعاون وتضامن في المبدأ والسلوك السياسي يبت بعضها بعضا وفي علاقاتها مجتمعة مع العالم الخارجي.
ولعل في استعراض حركة المارشال تيتوا الانفصالية عن موسكو ما يلقي ضوءا نافعا على ناحية هامة في العقلية الشيوعية ومستقبل نشاطها في الشؤون العالمية.
انفردت يوغسلافيا من بين الأمم الأوربية خلال الحرب العالمية الأخيرة بأنها الأمة الوحيدة التي استطاعت أن تقهر الاحتلال النازي قبل أن تلوح بوادر الهزيمة على ألمانيا النازية ففي حين أن حركات المقاومة السرية في الدول الأوربية التي احتلها جيوش هتلر كانت حركات ضعيفة مقيدة النشاط محدودة الأثر. . كانت حركة التحرر من الاحتلال النازي في يوغسلافيا واسعة النطاق فائقة النشاط عمت الأكثرية الساحقة من الشعب اليوغسلافي ومكنته من أن يحتفظ بأجزاء واسعة من بلاده في حرة طليقة لم تقو على استعبادها القوات النازية المرابطة في دساكر يوغسلافيا ومعاقلها الرئيسية. وكان عزم اليوغسلافيين وبأسهم في مقاومة الألماني على أشده حتى بعد أن رضيت الحكومة اليوغسلافية الشرعية آنئذ أن تهادن النازية وتتعاون معها وتخضع لمشيئتها. وقد حقق هذا العزم لحركة التحرر جيشا منظما وجهازا إداريا انتزع السلطة من الحكومة اليوغسلافية الشرعية التي أصبحت آلة فيد يد القوات النازية المحتلة، وما إن لاحت بوادر الهزيمة الألمانية في الميادين الأوربية