تعلقها لحظة سنحت لعينيه. فقد كانت ذات جمال هادئ صارخ، يتسلل إلى الحواس في دهاء ولطف، حتى إذا تمكن واستوى، فعل فعله، ودار فيها على طبيعته حنيناً ورغبة ونداء. ثم كان لِزاماً عليهما أن يتراءيا كل صباح، لأن عملهما كان يقتضيهما أن يهبطا باريس كل يوم مع الهابطين.
لم يكن يعرفها، وما كان رآها، إنما كان يجد نفسه في كل صباح جالساً تجاه فتاة جميلة، سرعان ما أحبها، وسرعان ما ألقت أنوثتها في ذهنه إنها امرأة وديعة لينة، ضعيفة، فشرع يغزوها
كان يحملق في وجهها، وخديها، ثدييها بشراهة عجيبة. وكانت إذ تدرك منه ذلك تحملق فيه، فلا يردُّ عينه عنها، فتضطرب، ويصعد الدم وفيراً إلى وجنتيها، فتزداد جمالاً وفتنة، فيزداد هو شوقاً ورغبة. . .
ولا يدريان: لا هو، ولا هي، هل كان واحد منهما يحرص أن يكون جار صاحبه في مقعد المركبة كل يوم؟ أم هي مصادفة ساقها القدر وفّقت أن يلتقيا هكذا أسبوعاً كاملاً؟. . . كان لا مفر بعده من أن تجري بينهما بضعة كلمات خفاف قصار في ابتسامة أخف وأقصر، لعلهن كن تمتمة شكر لقاء أن آثرها وأجلسها في مكانه في يومٍ كانت العربة فيه ملأا بركابها. . .
وفي اليوم التالي تصافحا يداً بيد، ثم تكلما، ثم تصادقا. . . ثم كانت له برغم ذلك شاغلاً يملأ خلايا مخه طول يومه وسواد ليلته، إلى أن يلقاها. . . وإنه ليرقب مشرق وجهها على فؤاده بشوق وحنين، وإنه ليفكر في نصف الساعة التي ينعم فيها بها، حتى إذا بلغا غايتهما، وآن لهما أن يفترقا، شعر بفراغ هائل يداخل نفسه؛ وتعاظمته تلك القسمة الحرام التي قسمت له من زمان حبيبته جزءاً واحداً من ثمانية وأربعين جزءاً. . .