نشر الكاتب المطبوع الدكتور زكي نجيب محمود جملة من مقالاته في مجموعة سماها باسم إحدى هذه المقالات، وهي (جنة العبيط).
ولو شاء الكاتب المطبوع لسماها (جهنم الحصيف)، ولم يكن في تسميته خطأ ولا خروج عن صدق الدلالة، لأن هذه المقالات في جملتها تدل على هذه (الجهنم) التي يعانيها الحصيف في حياته، فيترجم عذابها وآهاتها في أسلوب يلوح للقارئ كأنه غير أسلوب العذاب والآهات، وهو منه في الصميم. وذاك هو أسلوب السخرية والمزاح.
لا جرم جعل الدكتور زكي شرط المقالة أن يكون الأديب ناقماً، وأن تكون النقمة خفيفة يشيع فيها لون باهت من التفكه الجميل. فإن التمست في مقالة الأديب نقمة على وضع من أوضاع الناس فلم تجدها، وإن افتقدت في مقالة الأديب هذا اللون من الفكاهة الحلوة المستساغة فلم تصبه، فاعلم أن المقالة ليست من الأدب الرفيع في كثيرا أو قليل، مهما تكن بارعة الأسلوب رائعة الفكرة. و ' ن شئت فاقرأ لرب المقالة الإنجليزية أدسن ما كتب، فلن تجده إلا مازجا سخطه بفكاهته، فكان ذلك أفعل أدوات الإصلاح).
وإذا كانت المقالة كذلك فسم أد المقالة جنة العبيط أو جهنم الحصيف، فأنت على صواب.
ولكننا نريد أن نقول إن (المقالة) أنواع وليست بنوع واحد، وإن اسمها في العربية لا يحصرها في هذا الغرض الذي أحب الأستاذ أن يقصرها عليه، ونريد أن نتفاهم على اسم يطابق المقالة كما يعرفها في مقدمة هذه المجموعة على التخصيص.
يقول الأستاذ: إن المقالة يشترط فيها (أن تكون على غير نسق من المنطق: أن تكون أقرب إلى قطعة مشعثة من الأحراش الحوشية، منها إلى الحديقة المنسقة المنظمة). . . ويقتبس رأي جونسن الذي يرى:(أنها نزوة عقليه لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام). . . قطعة لا تجري على نسق معلوم ولم يتم هضمها في نفس كاتبها، وليس الإنشاء المنظم من المقالة الأدبية في شئ).
ومما لا خلاف عليه أن هذا التعريف يصدق على نوع من المقالة يزداد شيوعا بين الغربيين كلما شاعت الصحافة وشاعت معها أساليب الكتابة العاجلة، ولكنه لا يحصر جميع