للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العلوم]

سمك البكلاه

للدكتور أحمد زكي

السماكة كالزراعة صناعة من أقدم الصناعات، بل هي أقدم من الزراعة لأنها صناعة صيد، والإنسان كان صياداً قبل أن كان زراعاً، يصطاد طعامه على الأرض وفوق الدوح وكذلك في الماء. وكانت طريقته في صيد ما على ظهر الأرض وما في الهواء مسك ما يمسك، وقذف ما يفلت بالحراب مصنوعة من الحجز والخشب ثم من الحديد. ولكن هذه الطرائق التي أساسها القوة لم تغنه في صيد أحياء البحار إلا قليلاً؛ لأن البحر غير الأرض، لم يخلق لحمل الرجل والحافر، والإنسان لم يؤت زعنفة ولا ذيلاً، وهو إن عام فاصطناعاً وتكلفاً، وفوق ذلك فالماء إذا سمك تعثر البصر فيه فلا ينفذ إلا يسيراً لذلك غير الإنسان طريقة الهجوم وعمد إلى الحيلة، إلى الختل والخديعة، فعقف إبرة ربطها بحبل أمسكه بيده، ثم كساها بما يصلح أن يكون طعاماً، ثم في الماء دلاها فجاءت تالسمكة المسكينة تسعى كالناس للرزق فلما وجدته وجدت تفيه حتفها. وطمع الإنسان في غلة من البحر كبيرة، والبحر أبو الخيرات، كثير الفيوض، فعمد إلى الحبل الطويل يمده بين السفينتين تتدلى منه الحبال تحمل الصنارات الكثيرة تخفت تحت ألوان من الطعام شهية لم تبذل عن سخاء. ثم جاء دور الشباك، ثم امتدت هذه وطالت حتى بلغت قيمها مئات الجنيهات. وجاء البخار فاستبدلت السفن الشراعية بسفن بخارية، وارتقت طرق الصيادة وأحكمت، فكثر المصيد وتعددت أنواعه واتسعت تجارته فأثرت الأمم وأغنتها.

ومن الدول من يعتمد في أكثر ريعه واتزان ميزانيته على الدخل الذي يأتيها من السماكة. ولما كانت هذهالدول تصيد الأقل لنفسها، وتصيد الأكثر الكثير لغيرها من الأمم البعيدة النائية، وكان السمك قريب التحلل سريع العطب، عمدت إلى تحليله وتقديره، فأصبح يختزن منه بنسبة لا تختزن بها اللحوم، وصار ما يصاد في القطب يؤكل في خط الاستواء، ومن ذلك سمك البكلاه الذي نحن بحديثه اليوم.

والبكلاه إسبانية معناها سمك الحوت، وهو سمك يقطن المناطق الشمالية من البحر الأطلسي ويقطن بحر الشمال والبلطيق؛ ويوجد كذلك في شمال المحيط الهادي، وتتحدد

<<  <  ج:
ص:  >  >>