في الثامن والعشرين من أكتوبر احتفلت إيطاليا باختتام العام الثالث عشر لظفر الفاشستية الإيطالية وقيام النظام الفاشستي؛ فمنذ ثلاثة عشر عاماً زحف موسوليني وأنصاره من ذوي الأقمصة السود على رومة، وانتزعوا مقاليد الحكم؛ ومنذ ثلاثة عشر عاماً يسيطر موسوليني وحزبه على مصاير إيطاليا ومصاير الشعب الإيطالي؛ ولكن الفاشستية الإيطالية تحتفل بعيدها لأول مرة في ظروف خاصة؛ فهي الآن في مأزق خطر، بل هي تجوز معركة الحياة والموت؛ وهي تشعر لأول مرة بمرارة الخيبة وانهيار الآمال، وترى مشاريعها الاستعمارية العريضة في ميزان القدر تكبدها من الخسائر والمشاق الفادحة ما لم تكن تحلم بتكبده ولا قبل لها باحتماله، وترى فوق ذلك نفسها تواجه كتلة عالمية من الأمم الناقمة الساخرة تحيطها بسياج من الحفيظة والبغض، وتنظم ضدها مقاومة مادية فعالة وتزمع أن تقضي على كل مطامعها وأحلامها.
والفاشستية هي التي جنت على نفسها وعلى إيطاليا، وهي التي زجتها إلى ذلك المأزق الذي تتخبط فيه ولا ترى سبيلاً إلى الخلاص منه؛ فهي التي أقدمت عامدة مصرة على غزو الحبشة وانتهاك المعاهدات الدولية؛ وهي التي لم تخجل أن تصرح في جرأة منقطعة النظير أنها تغزو الحبشة وتعتدي على استقلالها لأنها في حاجة إلى التوسع والإستعمار واستغلال الثروات الطبيعية التي تبطنها وهاد الحبشة؛ وهي التي أثارت بعدوانها وغرورها وقحتها السياسية إشمئزاز كل الشعوب المتمدنة؛ وهي الآن في محنتها ويأسها تحاول أن تتشح بثوب الظافر، لأن الجيوش الإيطالية استولت على بعض الأراضي الحبشية في الشمال وفي الجنوب؛ ولكن العالم يعرف جيداً أن هذا النصر اليسير لم يكن نتيجة معارك حقيقية ولا بطولة عسكرية، وأنه مع ذلك قد كبد إيطاليا أعظم الجهود والخسائر، وأن المعارك الفاصلة ما زالت تنتظر إيطاليا في الوهاد الحبشية السحيقة التي لن تبلغها إلا بأفدح تضحية من المال والرجال.
لقد كان قيام الفاشستية في إيطاليا أول ضربة حقيقية للديموقراطية والحريات الشعبية بعد الحرب الكبرى؛ وكانت الديموقراطية قد استطاعت غداة النصر أن تكتسح النظم