حياك الله يا سوريا! ورعاك الله يا لبنان! لشد ما قضيتما حق الاخوة، وبيضتما وجه العروبة! آسيتمانا حين صرح البغي عن محضه، وحسر الباغي عن قناعه؛ وآزرتما النيل حين صمم أن يدافع عن حوضه، وأن يعبئ كل القوى في دفاعه.
أما شرق الأردن ففيه جلوب؛ اما العراق ففيه كرونواليس! والرجلان رجلان من أرجل الأخطبوط الضخم الذي آمن الحوت فسيطر الحوت فسيطر على معظم الماء واكثر اليبس. ورجل الأخطبوط ختم على أفواه الساسة؛ يوضع بحذر، ويرفع بقدر. ولطالما كابد ساستنا مشقة هذا الختم أيام كانوا للأخطبوط أرقاء وأصدقاء!
والاستعمار - كشف الله عنا ضره - على الأفواه كمامة، وعلى العيون غمامة، وعلى الأذان حجاب، وفي الأعناق غل. ولكن الأمم العربية التي تستمد غذائها الروحي من عقيدة الإسلام، وآداب العرب، وتاريخ الفتوح، وحضارة الرشيد، وثقافة المأمون، لا يسعها إلا أن تخالف الرؤساء والزعماء لتتفق في الشعور، وتتحد في الوجهة، وتتعاطف في المكروه، وتتناصر في الشدة. ولن تكون هذه العقارب التي يبسها الأخطبوط على دعاة الوحدة العربية إلا طعمة للنار المقدسة التي يشبها شباب العرب لتذيب الغش وتنفي الخبث وتكشف عن المعدن الصحيح.
برح الخفاء ونصل صبغ الرياء عن طبع إنجلترا فبدا على لونه الأصيل من خبث العنصر ولؤم الفطرة. واصبح الأمر بيننا وبينها في ذمة مجلس الأمن، وهو الجهة التي زعموها موئل الحق ومثابة العدالة. فهل كان يظن جون بول ان مصر التي ظل خمساً وستين سنة يتصرف في حكومتها وشعبها تصرف الراعي في القطيع، تقف منه موقف الند من الند من مجلس القضاء الأممي تدمغ باطله بالحق، وتدحض مراءه بالمنطق؟ الحق أن صرح الإمبراطورية يوشك أن ينهار ما دام أمرها قد انتهى إلى سلطان العدل. وهل هي إلا بنيان شاهق من الزور المتراكم والظلم المتراكم يسنده دعامتان من دهاء السياسة وضخامة الأسطول؟ على أن الدهاء قد فضحته يقظة الناس، والأسطول قد نسفته طاقة الذرة. فماذا بقى لسيدة البحار؟ ان إنجلترا غنية بغيرها، فلا تستغني بنفسها إلا يوم تروض حلوقها ثانية على ازدراد القواقع والسمك. والرجل الذي يعيش على الناس يكون مع القوة لصاً يسلب، ومع الضعف متسولاً يستجدي. وقد زالت وسائل اللصوصية عن إنجلترا باستيقاظ الوعي