(كان من المقرر أن يذاع هذا الحديث من محطة الإذاعة المصرية في الساعة الثامنة من مساء اليوم ١٠ من شهر أغسطس، ولكن جو المحطة لم يتطهر بعد إلى الحد الذي يسمح بإذاعة مثل هذا الحديث! أن الكثيرين هناك يحسبون أنفسهم مقصودين يوصف العبيد. كما أن الحماية ما تزال مفروضة على الأصوات الدنسة التي تذيع على الناس: (الدنيا سيجارة وكأس)!
أدب الانحلال هو في الغالب أدب العبيد. عبيد الطغيان، أو عبيد الشهوات. وحين تستذل النفس البشرية لطاغية من طغاة الأرض، أو لشهوة من شهوات الجسد؛ فإنها تعجز عن التحليق في جو الحرية الطليق، وتلصق بتراب الأرض، وترتكس في وحل المستنقع: مستنقع الشهوة، أو مستنقع العبودية سواء.
فأدب الانحلال على هذا هو أدب العبودية، وهو لا يروج إلا حين تفرغ الشعوب من الرغبة أو من القدرة على الكفاح في سبيل مثل أعلى. مثل أرفع من شهوة الجسد، وأعلى من تمليق الطغيان، لتحقيق مطمع صغير، أو مطمح حقير. . أي عندما تصبح (الدنيا سيجارة وكاس) أو تصبح الحظوة عند الطغاة أمنية المتمني في دنيا الناس!
عندئذ يظهر في الأمة كتاب، ويظهر في الأمة شعراء، ويظهر في الأمة فنانون. . يلبون هذا الفراغ من المثل العليا، ويمثلون هذا الارتكاس في حمأة الشهوة أو حمأة العبودية، وعندئذ يستمع الناس إلى هؤلاء الكتاب والشعراء والفنانين، لأنهم يصورون مشاعرهم، ويصورون أحلامهم، ويزينون لهم الراحة من الكفاح، والاطمئنان إلى الدعة، والإخلاد إلى حياة الفراغ والترهل والانحلال.
إن هؤلاء الكتاب والشعراء والفنانين ليقومون حينئذ بمهمة تخدير الشعوب وتنويها. سواء سبحوا بحمد الطغاة، أو سبحوا بحمد الشهوات. فأما حين يسبحون بحمد الطغاة فهم يزيفون الواقع على الشعوب، ويخفون عنها شناعة الطغيان وقبحه، ويصدونا عن الثورة عليه أو الوقوف في وجهه. . وأما حين يسبحون بحمد الشهوات، فهم يخدرون مشاعر الشعوب، ويستنفدون طاقتها في الرجس والدنس، ويدغدغون غرائزها فتظل مشغولة بهذه الدغدغة،