للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تفكر في شأن عام، ولا تحس بظلم واقع، ولا تنتفض في وجه طاغية لتناديه: مكانك. فنحن هنا! فالشعب المستغرق في ذلك الخدر اللذيذ ليس هنا، وليس كذلك هناك!

والتاريخ يشهد أن الطغيان يملئ دائما لهذا الصنف من الكتاب والشعراء والفنانين؛ ويهيئ لهم الوسائل، ويخلق لهم الجو الذي يسمح لهم بالعمل. جو الفراغ والترف والانحلال.

عندما أراد الأمويون أن يأمنوا أهل الحجاز، وإن يستبدوا دونهم بالملك، وإن ينحوهم عن الحياة العامة، غمروا سادتهم وأشرافهم بالمال والإقطاعيات والهبات؛ وجلبوا إليهم المغنين، والملهين والجواري، وزينوا لهم حياة الدعة والترف. وأطلقوا عليهم الشعراء المجان يدغدغون غرائزهم في القصور بأناشيد الشهوة. . وفي الوقت ذاته انطلق الشعراء يمدحون الملوك الطغاة ويسبحون بحمدهم، ويصوغون حولهم الهالات.

والتاريخ يعيد نفسه. وهكذا كان في حاضر الأوان. . كان في مصر طاغية صغير؛ كان يعبد ذاته، ويقدس شهواته. وكان يريد أن يحول هذا الشعب إلى عشرين مليونا من العبيد.

عندئذ انطلق كتاب وشعراء وفنانون يسبحون بحمد الطاغية الصغير، ويسجدون له من دون الله. ويخلعون عليه من صفات الله. سبحانه! مالا يجرؤ مسلم أو مسيحي على النطق به. حياء من الله.

وحينئذ انطلق كذلك كتاب وشعراء وفنانون يسبحون بحمد الشهوة، ويعبدون اللذة. وعندئذ استمع الناس إلى أغنيات تقول: (الدنيا سيجارة وكاس) و (أنسى الدنيا) وما إلى ذلك من أدناس وأرجاس.

إن التسبيح بحمد الطاغية، والتسبيح بحمد الشهوة؛ لم يكونا منفصلين، ولا غريبا أحدهما عن الآخر. . لقد كانت فترة انحلال. وأدب انحلال. إنها العبودية ذات طبيعة واحدة. عبودية الشهوة أو عبودية الطغيان.

فإذا نحن أردنا أن نكافح أدب الانحلال، فيجب أن نكافح أولا أسبابه في حياة الأفراد أو حياة الشعوب. يجب أن نكافح روح العبودية في الضمير الإنساني. نكافح عبودية الشهوة فنحرر الضمير البشري من الخضوع لها. فالإنسان إنما صار إنسانا بتعاليه على ضرورات الحيوان. والتربية الدينية هي الطريق الأنجع والأقرب إلى تقوية روح الإنسان، وتساميه على ضرورات الحيوان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>