أتى على الباحثين في تاريخ الآثار والفنون الإسلامية حين من الدهر قصروا فيه جهودهم على درس ما كان بارزاً من تلك الفنون للعيان في المباني والآثار الظاهرة ذات الوجود المادي الضخم، مما شاهدوه من المساجد والمنائر والعمائر وكل ما بناه رجال التاريخ الإسلامي ليتخذ مكاناً بيناً في نظر الحاكمين والمحكومين؛ لأن الفنون الجميلة كانت ذات صفة يأبه لها الملوك والأمراء ويجيزون عليها أربابها؛ فلم يكن للفنان المسلم مجال يظهر به الفن لعامة الشعب، بل كان كل همه أن يتقدم إلى ملك عظيم بثمرة نبوغه الفني ليكافئه عليها. كما أن الملوك اتخذوا عادة تشييد البناء وما يتبعها من التزيين والتزويق والتأثيث تخليداً لأسمائهم وذكر عهودهم وما اشتهروا به من الغنى والقدرة على تسخير المواهب في تمجيد الدين تارة والمجد الدنيوي تارة أخرى
وعندما انبرى مؤرخو الفنون الإسلامية إلى تقسيمها وتبويبها وتحديدها بعد انتشار الاستشراق في أنحاء أوربا المتحضرة، وبعد أن طاف فريق كبير من علماء المشرقيات بلاد الإسلام وعادوا بدراسات متوافرة ومثل للآثار التي وقعت أبصارهم عليها ودروسها في حواضر الشرق القريبة والبعيدة - طبق فريق منهم على تلك الفنون القواعد التي اتبعها علماء الفن الأوربي في ترتيب الآثار، فجعلوا أقساماً خاصة للعمارة، وأخرى للنحت والرسم البارز والحفر، وثالثة للتصوير وغيرها لأنواع التحلية والنقش والزخرفة
وكان هؤلاء العلماء يزعمون أن الدين الإسلامي يحرم التصوير مع أنهم رأوا آثاره، ومع أن الدين لم يكن ليمنع هذا الفن إلا من ناحية واحدة خشية أن يتجه التأويل إلى عبادة الأصنام. هذا وفي الوقت الذي لا يوجد فيه نص يتنافى مع تقدير الجمال الخالص الذي كانت نفس النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم مشبعة به، بدليل ما ورد من الآيات والأحاديث والتفاسير في تمجيده
وجعل المؤرخون همهم مقصوراً على تلك الآثار؛ ثم فحصوا كثيراً من المباني الإسلامية بزخارفها وما فيها من نجارة وقيشاني وأشغال المعادن؛ كذلك ما كان على الحلي والحلل وفي الأقمشة من الخز والديباج والإستبرق من تطريز وكتابة وصور. هذا إلى جانب