ثم كان أن جاءت الفتن وتغير الحال ووجد الشيطان سبيلاً إلى تلك البيئة الإسلامية المصونة عن طريق الهوى. وترخص الخلفاء بعد عهد الراشدين واحتالوا على الجمع بين هواهم وبين الدين، وهيهات؛ فكان منهم من امتُدح وتمنى المادح عليه ألا يُحد في الخمر فقال ذلك حد من حدود الله لا سبيل إلى إبطاله، ولكن سأحتال لك فكتب إلى عامله على بلد الشاعر المتهتك: من أتاك بابن هرمة سكران فاجلده مائة واجلد ابن هرمة ثمانين! وظن ذلك الأحمق أنه لم يبطل حد الله حين أفتاه شيطانه بهذا وقد أبطله بالفعل أيما إبطال إذ كان الناس يمرون على ابن هرمة مطروحاً فلا يمسونه ويقولون: من يشتري ثمانين بمائة؟ ومع ذلك فقد كان ذلك الخليفة العباسي يوصف بفقه ويلحق بالعلماء
مثل هذا النوع من الحكام وهذا الضرب من الاحتيال على إبطال أحكام الله حين تخالف منهم هوى أو شهوة هو الذي أفسد البيئة الإسلامية بعد إصلاحها، ففسد بفسادها الناس، فذهبت عنهم العزة وذهب ملكهم عن أقطار استعمرها آباؤهم بالدين والحسن الطاعة لله والنزول على أمره. ولن يستقيم للناس حال حتى ترد البيئة إسلامية خالصة كما كانت (يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)