كتبت إليّ سيدة أعرفها فاضلة لبيبة تسألني عن الحب كيف أقول فيه ما قلت؟ وعن المرأة كيف أبسط لساني فيها كل هذا البسط؟ وعن الحب الأفلاطوني ماذا ترى رأيي فيه؟ وختمت كتابها باتهام الرجال بقلة الوفاء، وبالغدر وكثرة التقلب
وقد استخلصت من كتابها أن مقالي الذي تفضلت بنشره (الرسالة) لم يصادف منها ارتياحاً ولم يلق قبولاً. ولست استغرب هذا، أو أنكر عليها امتعاضها، فإني أعرف أن كل رأي فيه من الهوى أثر؛ والمرء يميل بمزاجه إلى ما هو أحب إليه من الآراء وأكثر موافقة أو مجاراة لهذا المزاج؛ وما يزال الإنسان يوحي إلى نفسه حتى يصير الأمر عنده عقيدة راسخة لا تتزعزع ولا يسهل زحزحته عنها؛ ولو أن إنساناً استطاع أن يتبين مبلغ أثر الإيحاء الذاتي في آرائه لهاله ذلك، ولذهب إيمانه بالعقل وقدرته على النظر المجرد، ولأيقن أنه ما من رأي إلا وهو وليد عاطفة، فمولد عاطفة؛ والإنسان يعيش بالطبع أكثر مما يعيش بالعقل. واحسبني لا أخطئ جداً حين أقول إن عقل كل فردٍ يصب في قالب من طباعه، فليست هذه التي نفكر بها (عقولاً)، وإنما هي طباع وأمزجة اتخذت صوراً مزورة؛ وأصل الخطأ أنّا سميناها (عقولاً) فصار لها في وهمنا، على الأيام، استقلال لا وجود له
وليس الذي نشرته لي (الرسالة) رأياً في الحب، وإنما هو بيان لحالات يجر إليها، ومواقف يستدعيها، ولا أرى لي صبراً عليها؛ أما الحب فليس لغزاً، وما على من يريد فهمه على الوجه الصحيح إلا أن ينضو عنه كل ما خلع عليه الشعراء ولفوه فيه، حتى أخفوه وحجبوه؛ وليس هذا كل ما جنى الشعر، وما هو إلا بعض ما مسخ من حقائق الحياة. والشعراء كالكهان الأقدمين - دأبهم التهويل على الناس وإيهامهم أنهم وحدهم دون خلق الله أهل العلم والإحاطة والبصر والاتصال بالحقائق العليا والأسرار المحجوبة - لا، بل الشعر ضرب من الكهانة، ومظهر من مظاهرها - أي نوع من الدجل. ولا نكران أن الشاعر والكاهن يبدأن مخلصين صادقي السريرة - وكذلك كل غرير قبل أن يجرب - ولكن الأمر يتحول شيئاً فشيئاً إلى صناعة، فلا تصدق من يقول لك إن الشاعر يظل عمره - إلى آخره - طفلاً كبيراً، فإن هذا ليس إلا بعض دجل الشعراء - أو هو بعض ما يوحون إلى