للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأحلام]

بين التأويل الفلسفي والتعليل العلمي

للأستاذ عبد العزيز جادو

(إنما نحن كالمادة التي صنعت منها الأحلام) قولة قصد بها شكسبير دون شك، المساعدة على أيضاح لغز الوجود. ولن السرّ تحوَّل فقط من (نحن) إلى (المادة التي تصنع منها الأحلام). فما هي مادة الأحلام؟

منذ بداية القرن الحالي، أجاب كثيرون عن هذا السؤال كلٌّ بما يعتقده صواباً. وأحدث نظرية نعرف أنها تتعلق بهذه المادة التي تصنع منها الأحلام، هي التي قامت في الزمن الذي سجلته التوراة: كان الحلم نبوءَة؛ لذلك كان يحتاج إلى تعبير. ومن هذا الإعتقاد، نشأت أنظمة للتعبير متفاوتة في الإجادة والإتقان. فالتفسيرات أو التأويلات التي كان يستعملها سيدنا يوسف تبدو بسيطة نوعاً. فحِزَمُ القمح إذ تنحني تعبيرها أن إخوته يقدمون له الولاء والطاعة. ورؤيته الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، تنبئ بصورة ما، عن عظمته المستقبلة (يُوسُفُ أَيُها الصِّدَّيقُ أَفتِنَا فِي سَبْع بقرَات سِمانٍ يَأكلهنَّ سَبْعٌ عِجاف وَسبع سُنبلاتٍ خُضر وأُخر يابسات لعلي أَرجعُ إلى الناس لعلهمْ يعلمون. قال تزْرعون سَبْعَ سنين دأباً فما حصدتمْ فذرُوهُ في سُنبله إِلاّ قليلاً مما تأكلون. ثمَّ يأتي منْ بعْدِ ذلك سبعٌ شداد يأكلهنَ ما قدَّمتم لهنَّ إلا قليلاً مما تحصِنُون. ثمَّ يأتي منْ بعْدِ ذلكَ عامٌ فيه يُغاثُ الناس وفيه يُعصروُن)

إذن كان يوسُف أكبر مُفسر للحلم على أنه نبوءة من نبوءات المستقبل. ولكِنا سمعنا في الأربعين سنة الأخيرة عن شخص آخر - إسرائيلي كيوسف - كثير الكلام عن التأويل والتفسير - هو سيجموند فرويد.

وخلافاً لما يرى رجل الأحلام القديم من أن في الحلم نبوءة لأرادة الله، يرى فرويد أن في الحلم سجلاًّ للماضي، وأن فيه دليلاً أو إشارة إلى رغبة الحالم أو إرادته.

وقد تجرمت عشرات القرون بين الرجلين، وطال العهد بين الزمنين، ولكن لا يزال فهمُنا لمعظم الظواهر الطبيعية العامة كما هو لم يتقدم إلا يسيراً، وما أظنه سيتقدم ولو تقدمت بنا الأزمان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>