وإنه لحقٌّ أن كتب الأحلام ما زالت متداولة، ولكن منزلتها لا تتجاوز منزلة قراءة البخت بواسطة (الكوتشينة) أو الفنجان، أو قراءة الأخلاق بواسطة خطوط راحة اليد. فتفسير الأحلام قد انحط إلى درجة كبيرة.
وعندنا الآن نظريتان مشهورتان عن مسببات الأحلام: إحداهما عالجها هنري برجسون؛ والأخرى وهي التي سلفت الإشارة إليها عالجها فرويد. وكان لنظرية الأخيرة أهمية واعتبار أكثر مما كان للأولى، ويرجع هذا في الغالب، إلى أنها تكوِّن عنصراً هاماً في نظام علاج يعرف بالتحليل النفساني.
فبرجسون، كفيلسوف، يعالج الأحلام على أنها أحلام وحسب. وفرويد، كعالم، يهتم بها على أنها علامات أو دلائل للحالات العاطفية، والشئون الحيوية.
ومن رأينا أن كلتا النظريتين ضرورية، يجب الأخذ بها لتفهم أسباب جميع أحلامنا.
ولنأت هنا بعبارة مسهبة لبرجسون، لم بلباب النظرية، وتجمع أشتات الموضوع. يشرح فيها استمرار حواسنا أثناء النوم في استقبال التأثيرات والانفعالات؛ فالعيون سريعة التأثر بدرجات الضوء، والآذان تتأثر بالصوت، والجسم في مجموعه يتعرض للتأثيرات أو الانفعالات الخارجية. أما داخلياً فالأعضاء المختلفة أيضاً تسبب إحساسات للتسجيل، إحساسات مزعجة ربما تكون من الأعضاء الهضمية، أو من القلب، أو الرئتين:
الذكريات المكبوتة:
(وقصارى القول، أن في النوم الطبيعي، تكون حواسنا قطعاً قابلة لتأثيرات خارجية. . . وبعيد على إحساس حقيقي أننا نصنع حلمنا أو نلفقه؟ إذن كيف نلفقه؟. .
(إن ذكرياتنا، في لحظة معينة، تصوغ شكلاً هرمياً مجسماً تطابق قمته حاضرنا. . . ولكن، من وراء الذكريات التي تحشد في شغلنا الحاضر، وتظهر بوساطتها، يوجد أخرى غيرها آلاف وآلاف غيرها، تحت المنظر الذي قام الشعور بتدبيجه ووراءه. . . وإنها لتتوق أحياناً إلى الضوء: ومع ذلك فإنها لا تحاول أن تنهض إليه؛ لأنها تعرف أن هذا مستحيل، وإنني أنا، مخلوق حيّ ومتصرف، عندي ثمةَ شيء آخر أقوم بعمله غير إشغال نفسي بها.
(غلبني النعاس، إذن تلك الذكريات المكبوتة، التي تشعر بأني تركت العائق جانباً، ترفع المزلاج عن الباب السريّ الذي يُبعد بينها وبين حقل الشعور، وتبدأ في التحرك والثورات،