ومن ثمَّ تنهض وتنتشر إلى الخارج - لتؤدي في ليل اللاشعور رقصة طيفية همجية. وتندفع إلى الباب الذي لا يزال (موارباً) وتتزاحم جميعها لاجتيازه. ولكنها لا تقدر؛ فهناك كثير، كثير جداً. من هذه كلها، على أيها يقع الاختيار؟. .
(سهل علينا الحدس والتخمين. الآن فقط، عندما نستيقظ كانت الذكريات المحتملة هي التي استطاعت أن تطالب بوصل موقفي الحاضر بإحساساتي المطابقة للواقع. . . وهكذا إذن من بين الذكريات الطيفية، ذكريات تتوق إلى وزن نفسها مع اللون، والصوت. وبالاختصار مع المادية، تلك الذكريات التي تعقبها هي التي يمكنها أن تماثل لون التراب الذي أحسه وأراه، والضوضاء الخارجية أو الداخلية التي أسمعها، وغيرها. . . فعندما يحدث هذا الاتحاد بين الذاكرة والإحساس، فإنني أحلم.
(الأحساس عنيف حار، ملوَّن، فيه ذبذبة، وهو في الغالب حيّ، ولكنه غامض؛ والذاكرة واضحة وصافية، ولكنها بدون مادة ولا حياة لها.
الإحساس يتوق إلى قالب يجمِّد فيه ميوعته؛ والذاكرة تتوق إلى مادة تملأها وتدركها - وبالاختصار لتستوعبها. فهما منجذبان كلٌّ إلى الآخر؛ والذاكرة الطيفية، يجعلها نفسها مادية في الإحساس الذي يمدها باللحم والدم، لتصبح مخلوقاَ يعيش في حياة من حيواتها، حلم. . .
(ميلاد الحلم إذن ليس سراَ. . . فما الفرق الجوهري بين الكينونة في حلم والكينونة في يقظة؟ نجعل الكلام في ذلك بأن القوى العقلية ذاتها قد تمت ممارستها، سواء كنا في حالة اليقضة، أو في حالة الحلم؛ ولكنها تتوفر في الحالة الأولى، وتسترخي في الثانية. والحلم هو الحياة العقلية الصحيحة، ناقصة جهد التركيز).
هنا نرى أن نظرية برجسون الملخصة في هذه الكلمات، بسيطة غاية البساطة. عنصران يشتغلان لتلفيق حلم: إحساس، ووضع صورة منسوج حولها بوساطة الذاكرة، ضوء يومض من نافذتي بينا أكون نائماً؛ فتنسج ذاكرتي حول هذا الإحساس بالضوء قصة معقولة ومقبولة. هذه القصة أو هذا التعليل هو حلمي
كثير من الأحلام المألوفة لدى معظمنا يمكن أن تفسر على ضوء هذه النظرية. قد نحلم بأننا مسافرون بقارب في البحر، وتحدث بعض طوارئ صغيرة لها صلة بالمغامرة، ولكن العنصر السائد هو برودة الهواء. فنحن شاعرون ببرودة كما لو كنا مسافرين بالبحر.