للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الظاهرة الهامة وتأويلها]

للأستاذ محمد أديب العامري

من الناس من يموت فجأة، فهذا يقف قلبه عن النبض لتوقف الأعصاب التي تحركه، فلا يصل الدم إلى أجزاء ألجسم، فتهبط الحرارة ويقف الغذاء ويسكن الجسم، ثم ينحل من بعد. وهؤلاء لا يعانون دور النزع الذي يسبق انقطاع المرء عن الحياة؛ ومن ثم لا يصاحبهم بالطبع هذيان النزع الأخير،

ومن الناس من يموت متدرجاً ببطء شديد؛ فإذا تقدم في السن إلى حد بعيد تصلبت أوعيته الدموية، وتيبست عضلاته، وتعب جهازه العصبي، وأضاع كثيراً من رشده. ومن المعتاد في مثل هؤلاء أن يفقدوا شيئاً من قواهم الشعورية التفكيرية قبل موتهم بأشهر، بل بسنين؛ فيصرحون بأشياء لا يصرح بها الإنسان السوي عادة، ويتحدثون أحاديث تحمل الناس على اعتبارهم مجانين، أو أشباه مجانين.

ولكن أكثر الناس يموتون في فترة، لا هي قصيرة كالفجائية، ولا هي زائدة الطول كما هو الحال في (الموت التدريجي). فهؤلاء يقعون في المرض فيؤثر المرض على بعض أجزاء أجسامهم؛ وهم أثناء ذلك يحتفظون بقواهم العقلية من شعور ووعي وتفكير؛ فإذا أستفحل المرض أثر على الجهاز العصبي فعطل قوته الواعية (الشعور) وتحكم في المريض جزء آخر من قواه العقلية، وهذا الجزء هو المسئول فيما أعتقد عما يظهر على المريض من هذيان.

وقبل أن نتوسع في شرح ما يقع للمريض في هذه الحالة وحالة (الموت التدريجي) أحب أن أتعرض قليلاً لعمليات العقل الإنساني، ففي هذه العمليات التأويل المرجح لظاهرة الهذيان التي تسبق الموت.

عقل الإنسان هو عبارة عن قواه المدركة التي يسميها علماء النفس (الشعور) مضافاً إليها قواه الفكرية الأخرى التي يسمى بعضها (شبه الشعور) ويسمى بعضها (اللاشعور) أو (العقل الباطن). فعندما تكتب مقالة فأنت تفكر تفكيراً عنيفاً مقصوداً وموجها، وهذا العمل نوع من الأعمال الشعورية وعندما تحل مسألة رياضية أو عقلية فأن عملك هذا يعتبر من نوع الشعور كذلك. والأعمال الشعورية التي يعملها الإنسان قليلة وإن ظهر أول الأمر أنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>