كثيرة. أما المشي فمن أعمال المرء شبه الشعورية. فإنك عندما تقصد من بيتك إلى السوق تطلق رجليك دون تفكير شعوري واع في الشوارع والمنعطفات. وآية ذلك أنك تستطيع أن تقوم بعمل عقلي شعوري أثناء المشي، وعمل اللاشعور من أعمال العقل التي نظن عادة أنه أقلها أهمية ولكنه في الواقع أكثرها إشغالاً لقوانا العقلية وأكثرها دلالة على حقيقة شخصياتنا. فأنت تكون تعمل عملاً شعورياً متعباً فلا يلبث تفكيرك أن ينصرف إلى أفكار خيالية بعيدة الوقوع. فأنت ترى نفسك وقد غنيت أو امتلكت أملاكاً عريضة، أو تزوجت من فتاة جميلة، أو حصلت على شهادة عالية وأنت لابث مكانك لم تنفض يدك من عملك. وتنصرف حالاً إلى الانتقام من خصومك أو التحبب إلى أصدقائك على نحو لا يتأتى لك حين تفكر في أساليب هذا الانتقام أو التحبب ويقع ذلك أثناء اليقظة وتسمى هذه الأفكار (أحلام النهار) فإذا ما نمت تعطل معظم التفكيرين الشعوري وشبهه وأنطلق اللاشعور يعمل عمله. فأنت في النوم طائر مرة، محارب أخرى، مسافر ثالثة. وبالجملة يقع لك ما كنت ترغب في تحقيقه فأمتنع عليك فأنشغل به اللاشعور بعد أن أعرض الشعور عن حمل المرء على تحقيقه. وأهم ما يجب أن يعرف من هذا هو أن (أحلام النهار) والأحلام العادية وعمل النفس اللاشعوري إنما يكون أهمها في رغبات الإنسان المكبوتة، وما كان يعمله لو أتيحت له الوسائل. ومن هنا ترى أن أكثر أعمال المرء في يقظته ونوعه إنما هي أعمال لا شعورية
والذي يلاحظ المريض المقبل على الموت يرى أنه ينتقل من وعيه الكامل إلى هذيانه شيئاً فشيئاً، فهو يهذي بادئ الأمر شيئاً قليلاً بينا يتخلل هذيانه تفكير واع، ثم يتمادى في الهذيان حتى يطغى الهذيان عليه، فلا يكون كلامه إلا خليطاً لا يتصل بالشعور أو شبهه بسبب. والإصغاء إلى المتوفى في هذه الحالة دراسة مهمة لشخصيته وتفكيره ومتاعبه. لأنه يفكر آنئذ بلا شعوره ويعطيك نفسه غير مغلقة ولا مصطنعة. والأرجح أن جميع ما يصدر عن المريض له تعليل على هذا الأساس، أي أن هذيانه تفكير لاشعوري.
وأحسن ما تشبه هذه الحالة بالنوم، فالنوم في الواقع شبه موت مختصر، تثور فيه رغبات المرء المكبوتة ومخزونات اللاشعور العديدة على صورة أحلام. والذين تجري أحلامهم على ألسنتهم أثناء النوم يتحدثون حديثاً يشبه الهذيان. على أن هذا الهذيان نفسه أصح دلالة