كما قلت على نفسيه النائم مما يصرح به أثناء وعيه الكامل عن شعور محكم مضبوط. ولهذا يعمد المحققون إلى مثل هذه الحالات ليعرفوا منها أسراراً يقصدون إليها. وهم لذلك يلجئون إلى طرق طبية خاصة توصلهم أحياناً إلى أغراضهم.
وأصغ إلى هذيان المريض تجد أنه يحدثك عن أهم المشاكل التي كانت تعترضه في حياته. ويساعدك على تحقيق هذا معرفة بالمريض تكون قد أطلعتك على أحواله الخاصة. ومع أن هنالك ما يؤيد أن المريض إذا أقبل على الموت عرف ذلك، فأن هذا لا يدل على أن المريض يرى شيئاً من الحياة الثانية ويتحدث عنه، إلا إذا كان هو من شديدي الإيمان بهذه الحياة والعناية بها والتحدث عنها بحيث أنها تشكل في عقله قسماً من أفكاره اللاشعورية التي يتحدث عنها وهو يهذي. ونحن هنا يجب أن نلتمس التأويل الممكن لحديث بعض المحتضرين عن أناس توفوا قبل.
فما قيل من أن مختضراً (كان يتحدث إلى الموتى كما لو كانوا منه على مرأى وعلى مقربة) سهّل التأويل على أساس نظرية اللاشعور. وأما أن هنالك (حالات هتف فيها المحتضر باسم شخص مات ولم يكن المحتضر يعرف أن ذلك الشخص قد مات) فقول يحتاج بعد إلى تحقيق شديد. فالمرء قد يختزن في لا شعوره معلومات لا تكون في متناول شعوره دائماً، فهو ينكر معرفتها في حال وعيه وشعوره في حين أنها ترد على خاطره حين يتيه فكره لا شعورياً، فلا يكفي قول رجل لك عن أمر إنه لا يعرفه دلالة على عدم معرفته، إذ المرء نفسه قد يجهل أنه يعرف شيئاً مختزناً في اللاشعور.
وإذا أريد الوصول إلى قرار علمي صحيح في هذه الظاهرة فلا يجب أن تحمل أقوال المحتضر على شيء خاص حين يمكن حملها على معانٍ طبيعية عادية. فقول مريضة محتضرة عن شقيقة لها سبقتها إلى الموت دون أن تعلم (انظروا هذه هي شقيقتي إنها تقول أنها ستكون معي. لماذا لم تخبروني بذلك؟) قول لا يدل دلالة قاطعة على أن الشقيقة المحتضرة عرفت قبيل موتها عن موت أختها، كما يتضح من التآويل التي يمكن أن يؤولها هذا الكلام بصورة طبيعية، أن العمْد إلى تآويل روحية غير مستندة إلى ما يعتمد عليه العلم من وسائل الإثبات لا يزيد إيضاح هذه الظاهرة شيئاً، بل يزيدها تعقيداً
هذا - ولا ريب أن المريض يعرف قبل الموت بزمن، قصر أو طال، بأنه سيموت.