[التربية الوطنية الاستقلالية وأثرها في بناء الأمة]
للأستاذ محمد عبد الباري
عماد الأمة
عماد الأمة أفرادها. ومتى كانت مواد البناء متينة التكوين سليمة الوضع كان البناء قوياً على احتمال تصاريف الأيام، والتغلب على صدمات الحادثات. وما مادة البناء في الجماعة سوى الفرد. فكيف يكون قوياً لتقوى به الأمة؟
شاهدات الحاضر
يلوح لي أن استعراض الوقائع لاستخراج الحقائق أقرب سبيلاً إلى صحة الحكم، وآمن عاقبة من التحليل النظري المجرد. وأخذا بهذا فأني أضرب بالإنجليز مثلاً للأمة القوية. وأحاول باستعراض بعض الظواهر للوصول إلى سر هذه القوة. وإني إذ أفعل هذا لست مأخوذاً بقوة المسيطر، ولكني إنما أتعرف سر قوة الغير لنحتذي مثاله، ومن قبل احتكت اليابان من نحو خمسة وثمانين عاماً بالغرب، وآنست منه قوة لا قبل لها بها فداورته، ثم حرصت على تعرف سر قوته واتخذت سبيله. فلما أحست من نفسها القوة تحررت مما فرض عليها الغرب من قيود، ثم صارت موضع خشيته ورهبته. والقوي يتقي دائماً التصادم بالقوي.
من أشهر حوادث التاريخ الدستوري ما يسميه الإنجليز بالعهد الأعظم؛ وهو مجموعة قواعد غير منمقة؛ هي في الواقع شروط يتقيد بها الحاكم، وهي تنبئ عن روح استقلالية أصيلة، ودرجة حرص القوم على المحافظة على ذلك العهد تؤكد أنه وضع عن عقيدة، وأنه يعبر عن شعور الأمة بحقها وكرامتها وقوتها. فلما هوجم دافعت عنه الأمة عن عقيدة راسخة فانتصرت. حدث أن أحد ملوك إنجلترا، وكان متشبعاً بتعاليم الفيلسوف الإنجليزي (هوبز) نقض ذلك العهد بإصدار أوامر تخالفه. غير أن أحد الكافة أبى أن يعترف بحق الملك في المخالفة، فامتنع عن تنفيذ الأمر. فلما أوذي المعترض ثارت الأمة، وتخلصت من ناقضي عهدها استمساكا بدستورها ومحافظة على كرامتها
والمعترض لم يصدر إلا عن عقيدة. وكان مستقل الرأي أبيّ النفس شجاعا بدليل أنه لم