للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خرفة]

هذا الإنسان. . . أوجد الحضارات

(السمك والوحش والطير يأكل بعضها بعضا، لأنها حرمت

العدالة، أما الإنسان فقد منحه زيوس إياها وهي خير ما يمنح.

. .)

أما أنا فأقول لكم لم لا يأكل الناس بعضهم بعضاً

في زمان سلف، قديم كل القدم، وفي مكان لا أعرفه تماماً، كان يعيش أبو البشرية آدم وأمها حواء والابن البار هابيل، والابن العاق قابيل

وفي يوم من الأيام، بعد أن مل قابيل العمل وزهدته نفسه، واستصغرته، جلس على مرتفع من الأرض، ومرفقه إلى ركبته، وقد أسند رأسه إلى قبضته الضخمة. جلس قابيل مهموماً قبل أن تخلق الهموم، مفكراً قبل أن يخلق التفكير. لقد مل العمل ومل الحياة، وضاقت الدنيا على سعتها، فلم تعد تحقق شيئاً مما يريد قابيل. هاهو ذا يعمل كل يوم. يذهب في الصباح إلى الأرض يصلحها ويبذر الحب فيها، وإذا أعوزها الماء حمله إليها من أماكن بعيدة، ثم إذا هو رأى حيواناً يعبث بماشية يرعاها أخوه، سعى إليه وأرداه

كل شيء أمام قابيل سهل ميسور. إنه ما حاول يوماً عملاً واستعصى عليه. كل ما يراه خاضع ليده القوية. الأرض تتفتت في يسر وهو يضربها لتفلح. والحيوانات باتت تخاف رؤيته. والأمطار إذا شحت استطاع أن يحمل الماء من أماكن سحيقة دون أن يتعب. . . كل شيء سهل ميسور إذا تناوله قابيل. فأية حياة فارغة هذه؟

وفي تلك اللحظة مر هابيل يسير كعادته دائماً في سكون وبطء، لاهياً عن كل شيء بشيء لا يفهمه أخوه؛ إنه يأخذ الحياة كما وجدت، لا يطلب جديداً ولا يتعب نفسه في هذا الطلب، ولا يحس مللاً كما يحس قابيل

ثم هناك كبش هابيل، لقد قبل عندما قدمه قرباناً، فنزلت النار من السماء والتهمته، بينما لم يرفع زرع قابيل الذي قدم كما رفع كبش أخيه

وبعد! فلابد إذن أن يكون هابيل شيئاً عظيما، فقربانه قد قبل بينما لم يقبل قربان أخيه؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>