أحياناً ينبثق في روحي فيض غامر من الحياة كما ينبثق الماء في حوض جاف. . . ولن يقيد روحي وقت ذاك قيد ما، بل تكون كعين ثرة تتفجر فتشق الصخر العاتي وتجرف السدود كما يجرف السيل الحصى والحطب والغثاء. . . وأنا حينذاك أحس بإنسانيتي الفائقة، ويزداد شعور ثقتي بنفسي وإقبالي على الحياة. . .
وأتمنى أن يشيع هذا الشعور الفائق الفياض في جميع أرواح أبناء آدم. سواء كانت أرواح تلك الأجسام العاجية الوردية ذات العيون الصافية والشعور الذهبية والعنبرية، التي أتخيلها راقصة ضاحكة في أفراح الحياة مخمورة بخمار الحب وسكرات الجمال وطفور القوة. . . أتمنى لها ذلك حتى لا يكون خمارها خمار الغفلة والزهو والركون إلى فترات الحياة اللاهية مع إهمال ما وراء هذا العالم الفاني من العالم الباقي. .
وأتمنى أن تشيع هذه القوة أيضاً وهذا الشعور الفياض في أرواح تلك الأجسام القبيحة الضعيفة الكئيبة ذات العيون المنطفئة والجلود المجعدة المخددة والشعور الكدرة التي تعبث بها نسائم الحياة كأنها شعور جماجم موتى تعبث بها ريح ثقيلة. . . والتي تتخيل بياض النهار سواد ليل، وذهب الضحى خزف تراب، وحرير الورد إبر شوك وقتاد. . . وترقص على ذلك رقصة ذبيح يجرجر جسمه المتهالك في رعشة الموت وحشرجة الفناء، وتغص بريقها وتأكل أكبادها من الحسرة، وتشرب حميم دموعها من الغصة وتطعم غسليناً وزقوماً. . . أتمنى ذلك حتى لا يكون وراء هذيانها وبحرانها بحمى الألم، وانكسار أعوادها بقاصمات الظهور شيء من يأس الكفر بالحياة والجحود لمستقبلها فيما وراء هذا العالم الفاني من العالم الباقي
فأسكب اللهم فيضك ونورك على أرواحنا، وأوسع ما بينها وبين رحمتك، ولا تظمئها فتجعل هذا الفيض غوراً يغيض ولا يفيض!