في كلمتي الماضية عن هذا الموضوع قلت:(بمقدار الغنى في الأفكار والمعاني الذي تضمنه الشعر العربي، كان الفقر في الرؤى والأحلام، وفي الصور والظلال. وفي الحالات النفسية والملامح الإنسانية. وهذا هو مفرق الطريق بين الشعر العربي وكثير من الشعر العالمي في مجموعة (العرائس والشياطين) وضربت لذلك مثلاً قطعة: (إلى السوق أول مرة) للشاعر الإنجليزي الحديث (هوسمان)
فاليوم أضرب أمثلة أخرى تشرح هذه الفوارق وتوضحها.
في المجموعة قطعتان متقاربتا الموضوع، فاستعراضهما معاً قد يكون أقرب إلى توضيح الفروق
فأما القطعة الأولى، فهي لابن زهر الأندلسي بعنوان:
(في المرآة)
إني نظرت إلى المرآة أسألها ... فأنكرت مقلتاي كل مارأتا
رأيت فيها شيخاً لست أعرفه ... وكنت أعهد فيها قبل ذاك فتى
فقلت: أين الذي بالأمس كان هنا ... متى ترحل من هذا المكان متى؟
فاستجهلتني وقالت لي وما نطقت ... قد كان ذاك، وهذا بعد ذاك أتى
وهي أبيات جيدة في موضوعها، ولفتة لها قيمتها، ووقفة بين صورتين من صور الحياة أجمل ما فيها أن إحدى الصورتين تنكر الأخرى وهي تكملتها. وذلك أقصى ما نستطيع أن نسنده إليها من المزايا مع الاعتراف بأننا نضيف إليها من أنفسنا بعض ما قد تقصر عنه ألفاظها!
ولكنها - مع هذا - وقفت عند الحس لا تتعداه إلى أغوار النفس. فهذا شاعر لا يدرك الفرق بين الفتى الذي كانه والشيخ الذي صاره، إلا حين يقف على المرآة، فيرى تغير