حينما اشتعلت نيران الحرب العالمية الثانية، عين في سبتمبر ١٩٣٩ الجنرال فيجان القائد الفرنسي المعروف، وصاحب الشهرة الذائعة في الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ - ١٩١٨ على راس جيش الشرق في ميدان الأبيض المتوسط، وقد حضر إلى بيروت وجعل عمارة كبيرة ذات عدة طبقات مركزاً لقيادته - وهي العمارة التي أصبحت بعد الاحتلال البريطاني مركزاً لبعثة الجنرال اسبيز - فكأن المقادير قد ربطت هذا البناء بأكبر الحوادث التاريخية لسوريا ولبنان إذ اتخذت في حجراته أخطر القرارات وجرت في معظم المفاوضات التي غيرت الكثير من أوضاع البلدين
وكان الجنرال فيجان في نوفمبر١٩٣٩ ويقيم في قصر شاهق برأس بيروت تعرفه من مفرزة الجنود الجراكسة التي تتولى حراسته ليل نهار، والتي كانت موضع انتقاد زميلين لي من ممثلي الدول الشرقية، وقد حظيت بمقابلة الجنرال في مركز قيادته، ودارت بيننا محادثات، ففي المقابلة الأولى لقيته في صباح يوم من شهر نوفمبر، وكان قد تحدد موعدها قبل ذلك بيومين، وقد أخذت الأهبة لهذا اللقاء لعلمي بمنزلة القائد التاريخية، ولوثوقي من شخصيته ونظرته النافذة، ولذلك حرصت على أن أتحين الفرصة وأخرج من المقابلة الأولى، وقد توطدت بعض الثقة بيننا، أو أسي شيء من العلاقة غير الرسمية، أقصد التي يتخللها بعض الصراحة.
فكيف أعمل لذلك؟
كان عليّ أن أستجمع كل معلوماتي وما يبقى بالذاكرة من حوادث الحرب الماضية وتجاربها ودروسها، فمنها بعض ما قرأته في المؤلفات المختلفة وبعض ما سمعته بمعهد زوريخ، ثم كان عليّ أن أراجع ما قرأته من مؤلفات الجنرال فيجان نفسه، وأولها مؤلفه عن (حرب محمد علي)، وهو كتاب معروف متداول، ولم ينقصني سوى كتابه (تاريخ الجيش الفرنسي)، وسرعان ما جبت المدينة باحثاً منقباً لدى باعة الكتب، حتى حصلت على نسخة من هذا الكتاب، فأمضيت ليلتين في تصفحه، وقرأت المقدمة مرات، وأخذت