لي صديق نحات انكسر له تمثال فحزن عليه، فأردت أن أواسيه فقلت له: ألا تستطيع أن تعوضه بغيره؟ فقال لي: قد أوفق إلى ما هو خير منه، ولكني يائس من التوفيق إليه هو. وحدثت بذلك صديقاً لي آخر شاعراً فقال لي: إني مثل صاحبك لو فقدت قصيدة عجزت عن إعادة إرسالها. فاستطلعت الرأي عند صاحب لنا صحافي فنصحني بالخمود عنها لأنها مسألة مغربة. فأهملتها ثم نسيتها ولم أذكرها في جد إلا حين توكلت على الله لأعد لقراء الرسالة حديث هذا الأسبوع. فقد نادتني إليها من جديد وهي تسألني: أما وجدت مخرجاً لصديقك الذي وقع من التمثال فانكسر؟ فأطرقت أبحث عن المخرج فإذا بصديقي الشاعر يتهادى أمام خيالي وعلى شفتيه الساخرتين ابتسامة أعرفها وأستطيب مراقصتها بروحي التي تستجيب إلى صفائه تراحماً وحناناً. قال لي: كنت بالأمس نشوان استخفتني وحشة ذات بهجة فانطلق لساني بشعر طربت له بالأمس كل الطرب ولكني لم أسجله، ولما أصبحت وأردت أن أستعيده لم أسترجع منه إلا أشباحاً فكيف السبيل إليه؟ أو أنت لا تزال عاجزاً مع صديقك النحات لما تجمعا حطام تمثال؟
وصديقاي الشاعر والنحات عزيزان علي معزة كل فنان فلا أقل من الترحيب أستقبل به مسألتهما هذه فهي مما يعرض للفنانين جميعاً، ولا ريب أن استعراضها وتفتيقها سيظهران لنا بعض ما نحب أن نقف عليه من أسرار الفن ومراحل تخلقه في نفوس الفنانين
ولنبدأ إذن بتجديد هذه المسألة حتى لا نتيه فيها كما نتيه أحياناً في تلافيف هذا الفن وثناياه المتكسرة أنوارها بعضها على بعض والتي قد تضل من يجوس خلالها، ولكنه على أي حال الضلال المأمون المعجب
مسألتنا هي: هل يمكن إنتاج القطعة الفنية نفسها مرتين؟
ولكي نقرب هذه المسألة من أذهان المتباعدين عنها، والذين يستغربونها نطرحها هي