(دمشق!). . . وهل توصف دمشق؟ هل تصور الجنة لمن لم يرها؟ من يصفها وهي دنيا من أحلام الحب وأمجاد البطولة وروائع الخلود؟ من يكتب عنها (وهي من جنات الخلد الباقية) بقلم من أقلام الأرض فان؟
دمشق: التي يحضنها الجبل الأشم الرابض بين الصخر والشجر، المترفع عن الأرض ترفع البطولة العبقرية، الخاضع أمام السماء خضوع الإيمان الصادق. . . دمشق التي تعانقها الغوطة، الأم الرؤوم الساهرة أبداً، تصغي إلى مناجاة السواقي الهائمة في مرابع الفتنة، وقهقة الجداول المنتشية من رحيق بردى، الراكضة دائماً نحو مطلع الشمس، تخوض الليل إليها لتسبقها في طلوعها؛ وهمس الزيتون الشيخ الذي شيبته أحداث الدهر فطفق يفكر فيما رأى في حياته الطويلة وما سمع، ويتلو على نفسه آيات حكمته؛ وأغاني الحور الطروب الذي ألهاه عبث الشباب ولهو الفتوة عن التأمل والتبصر، فقضى العمر ساحباً ذيل المجون مائساً عجبا وتيها، خاطراً على أكتاف السواقي وعلى جنبات المسارب ليغازل الغيد الحسان من نبات المشمش والرمان، ويميل عليها ليقطف في الربيع وردة من خدها، أو ثمرة من قلائد نحرها، ثم يرتد عنها يخاف أن تلمحه عيون الجوز الشواخص، والجوز ملك الغوطة جالس هناك بجلاله وكبريائه، ولا جلال ملك تحت تاجه، وعاهل فوق عرشه
دمشق: التي تحرسها (الربوة) ذات (الشاذروان)، وهي خاشعة في محرابها الصخري تسبح الله وتحمده على أن أعطاها نصف الجمال حين قسم في بقاع الأرض كلها النصف الثاني. . . وما الربوة إلا حلم ممتع غامض يغمر قلب رائيه بأجمل العواطف التي عرفها قلب بشري فيذكر كل إنسان بليالي حبه وساعات سعادته، ثم يتصرم الحلم ويستحيل إلى ذكرى حلوة لا تمحوها الأحداث ولا تطغى عليها سيول الذكريات. . . الربوة: لحن من ألحان السماء ألقته مرة واحدة في أذن الأرض. . . الربوة هي الربوة لمن يعرفها وكفى! دمشق من أقدم مدن الأرض وأكبرها سناً وأرسخها في الحضارة قدماً. كانت مدينة عامرة قبل أن تولد بغداد والقاهرة وباريس ولندن، وقبل أن تنشأ الأهرام وينحت من الصخر وجه أبي