للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الإصلاح الاجتماعي]

أمر عسكري. . .

لو كانت الأوامر العسكرية كلها من نوع الأمر العسكري بردم البرك

والمستنقعات لتمنينا أن نظل على هذا النظام دهرا

طويلا. ذلك أن هذا الأمر وما يشبهه من الأمر بعقوبة من يفطر جهرا في شهر رمضان، أو من يبيع خمراً في يوم مقدس، إنما هو نفحة من نفحات الحكم العمري الذي لا ينهض الشرق بغيره

والعلة في أن نهوضنا منوط بهذا الضرب من الحكم، أننا مصابون بالقصور الذاتي في الخير والشر، فلا نأتمر بالمعروف إلا بدافع، ولا ننتهي عن المنكر إلا برادع. وأظهر أعراض هذا الركود النفسي فينا أننا نقول ولا نفعل، ونسمع ولا نطيع، ونعكف على ما ورثنا نعبده ولا نجدده، ونجمد على ما كسبنا لا نغيره ولا نزيده!

كم وزارة فكرت في ردم المستنقعات والبرك! وكم لجنة ألفت لتحقيق هذه الفكرة! وكم مشروع وضع لتنفيذ هذا التحقيق! وأخيراً صدر على الرغم من تسويف اللجان، ومعارضة الإهمال والنسيان، قانون؛ واقتضى ذلك القانون أن تنشأ وظائف، ويحدد اختصاص، ويقرر تفتيش، ويسجل إحصاء. ولكن القانون يظل كلاما حتى ينفذ. والتنفيذ عمل من الأعمال يحتاج إلى إرادة؛ والمريض بالقصور الذاتي لا يريد ولا يملك أن يريد

صدر قانون بردم البرك منذ عشر سنين فقال الناس: جفت موارد الموت، وعفت مواطن البعوض، وبادت جراثيم الملاريا، وان للفلاح المسكين أن يحس العافية. ولكن القانون العادي رحب البال، يقبل العذر ويأخذ الأمور بالملاينة؛ فالبركة الفلانية يملكها الباشا فلان، فهو يرجو من القانون أن يؤجله إلى يوم القدرة. والبركة العلانية يملكها الأمير علان، فهو يطلب إلى القانون أن يمهله حتى تنقضي العسرة. والقرويون الذين هدتهم الحمى ووضع لإنقاذهم هذا القانون تقابل عرائضهم بالإعراض، وتدفع مطالبهم بالاعتراض، وتعلل شفاعتهم بالمطل

أنا من أهل قرية وصفتها من قبل لقراء الرسالة بأنها جزيرة من الأكواخ والحظائر في وسط مستنقع محيط من مصافي المزارع، نمت على أسنة وعفنة جراثيم الأمراض

<<  <  ج:
ص:  >  >>