للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المتوطنة، فجعلت كل وجه في صفار الخوف، وكل جسم في هزال الجوع، وكل حي في همود الموت. وعلى هذه الحال الشديد قطعت مراحل عمرها الماضي لا يزهر فيها شباب، ولا تثمر بها كهولة. لذلك لم نكد نسمع بصدور هذا القانون حتى رفعنا أصوات الاستغاثة، فأغاثتنا الوزارة المختصة بالمفتش وراء المفتش، والتقرير عقب التقرير، والوعد بعد الوعد؛ ثم وقفت عند ذلك فلا تجيب عن سؤال، ولا تصيخ لشكوى حال؛ لأن ما تستطيعه قامت به، وكل ما تستطيعه لا يعدو القول والكتابة. ثم تعاقب وزراء الصحة على هذا القانون وهو كلمات ميتة فلم يبعثوا فيه الحياة؛ ومضوا على المنهج المألوف من كفاح المرض بالتقارير والأرقام حتى اّكتظت القرى والقبور بضحايا البلهارسيا والأنكلستوما والملاريا والطحال على الرغم من المستشفيات المنشأة على آخر طراز، والمعامل المجهزة بأحدث جهاز، والصيدليات المزودة بأندر الأدوية. ففكر الناس وأطالوا التفكير، ثم سألوا وأكثروا السؤال: هل في مصر وزارة للصحة؟ وهل في وزارة الصحة أطباء؟ وهل لأطباء الصحة ضمائر؟ وكان الجواب عن هذه الأسئلة السكوت المريب، حتى تولى وزارة الصحة وزيرها القائم فكان هو الجواب القاطع وإلا يجاب الصريح.

أثبت بالفعل هذا الرجل العظيم أن في مصر وزارة للصحة فيها أطباء أكفاء ينهضون إذا نبهوا، ويعملون إذا وجهوا؛ وأن المنصب الذي كان مكتبا ومرتبا وأبهة، يستطيع أن يكون أعظم القوى وأفعلها في الإصلاح الاجتماعي بمكافحة المرض، وهو شر بلايانا الثلاث. ومن كان يعرف ما فعله وهو مشرف على صحة القاهرة، كان يتوقع ما فعله وهو قائم على وزارة الصحة.

ولعل أظهر المزايا في هذا الرجل النشيط العامل قوة العزم وسرعة التنفيذ. لذلك أعرض عن قانون ردم البرك واستصدر

هذا الأمر العسكري الموفق، فلم يكد يمضي على صدوره عشرة أيام، حتى فعل ما لم يفعله ذلك القانون العادي في عشرة

أعوام؛ إذ أدخل في ملك الحكومة البرك التي خنست همم أصحابها عن التعهد بردمها قبل الأجل المحدد، ومساحتها ٤٠٥٠

فدان ستردمها مصلحة الشؤون القروية، ثم تستغلها بالتأجير أو تصرفها بالبيع. أما البرك

<<  <  ج:
ص:  >  >>