الأمريكي بدائي في ذوقه الفني، سواء في ذلك تذوقه للفن، أو أعماله الفنية.
موسيقى (الجاز) هي موسيقاه المختارة. وهي تلك الموسيقى التي أبتدعها الزنوج لإرضاء ميولهم البدائية، ورغبتهم في الضجيج من ناحية، ولاستثارة النوازع الحيوية من ناحية أخرى. ولا تتم نشوة الأمريكي تمامها بموسيقى (الجاز) حتى يصاحبها غناء مثلها صارخ غليظ. وكلما علا ضجيج الآلات والأصوات، وطن في الآذان إلى درجة لا تطاق. . زاد هياج الجمهور، وعلت أصوات الاستحسان، وارتفعت الأكف بالتصفيق الحاد المتواصل، الذي يكاد يصم الآذان.
ولكن الجمهور الأمريكي مع هذا يقبل على الأوبرا، ويصغي إلى السيمفونيات، ويتزاحم على (البالية) ويشاهد الروايات التمثيلية (الكلاسيك) حتى لا تكاد تجد مقعداً خالياً، ويقع في بعض الأحيان ألا تجد مكاناً إذا أنت لم تحجز مقعدك قبلها بأيام، على غلاء الأسعار في هذه الحفلات.
ولقد خدعتني هذه الظاهرة في أول الأمر، بل لقد فرحت بها في داخل نفسي، فقد كنت دائم الشعور (باستخسار) هذا الشعب الذي يصنع المعجزات في عالم الصناعة والعلم والبحث، ألا يكون له رصيد من القيم الإنسانية الأخرى، وأنا شديد الإشفاق على الإنسانية أن تؤول قيادتها إلى هذا الشعب، وهو فقير من تلك القيم جميعا.
فرحت إذن حين شاهدت هذه الظاهرة، لأن الجمهور الذي يقبل على الفن الراقي غير ميئوس منه مهما تكن عيوبه، ومتى فتحت هذه النافذة في شعوره فالأمل كبير أن تطل منها أشعة أخرى كثيرة
وقد دفعني الاهتمام بهذه الظاهرة إلى أن أتقصى كل شيء عنها، في أوساط مختلفة، وفي مدن متعددة، ولكن تتبعي لسمات الوجوه، ومحادثاتي مع الكثيرين والكثيرات من رواد هذه