للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأماكن - من أعرف ومن لا أعرف قد كشفت لي - مع الأسف - عن أن الشقة ما تزال بعيدة بين روح هذا الفن الإنساني وروح الأمريكان. إن مشاعرهم عنها محجبة إلا في النادر، وإنهم إنما ينظرون إلى المسألة من زاوية اجتماعية بحتة. فالأمريكي المثقف لابد أن يكون شهد هذه الألوان وذهب إلى تلك الأماكن، حتى إذا دار الحديث عنها في مجتمع شارك في الحديث. فالعيب الأكبر في أمريكا ألا يشارك الإنسان في الحديث، وبخاصة بالنسبة إلى الفتيات، إذ المطلوب منهن أن يجدن دائما موضوعات جديدة إلى الموضوعات الأمريكية الخالدة وهى: مسابقات الكرة. وأسماء الأفلام. والممثلين والممثلات. وحوادث الطلاق والزواج. وماركات وأسعار السيارات.

وبهذه الروح ذاتها تفد الجموع على المتاحف الفنية، عابرة عبورا خاطفا بالقاعات وبالمعروضات، بطريقة لا تدل على تذوق أو ألفة لهذه الأعمال. كما يذهبون أفرادا وجماعات لمشاهدة مناظر الطبيعة خطفا، والمرور بأقصى سرعة السيارات بالأماكن والمناظر لجمع مادة للحديث، ولتلبية الميل الأمريكي الطبيعي إلى الجمع والإحصاء.

ولقد كنت أسمع في مبدأ وجودي بأمريكا أن أحدهم زار كذا وكذا من المدن والبلاد والمناظر والمشاهد، وقطع كذا ميلا في رحلاته السياحية، وهو يعرف كذا عددا من الأصدقاء، فأعجب بهذه المقدرة على صنع هذا كله، وأود لو أستطيع منه شيئا! ثم عرفت فيما بعد كيف تتم هذه المعجزات. . . يركب أحدهم سيارته وحده أو مع أسرته أو أصحابه في رحلة، فيعدو بها عدوا على آخر سرعتها، مخترقا بها المدن والمسافات، عابرا بالمناظر والمشاهد، وهو يقيد في مذكرته الأسماء والأميال. . ثم يعود فإذا هو شهد هذا كله وأصبح له الحق في الحديث عنه! أما الأصدقاء فيكفي أن يدعي إلى حفلات التعارف، وهناك يلتقي بالوجوه أول مرة، والقائم بالدعوة يعرفه بالحاضرين واحدا واحدا وواحدة وواحدة، وهو يستكتب من شاء منهم اسمه وعنوانه وكذلك هم يفعلون معه. وعلى الزمن تتضخم مذكرته بالأسماء والعنوانات. فإذا هو صاحب أكبر رقم من الأصدقاء والصديقات. وقد يفوز في مسابقة تقام لهذا الغرض. وما أكثر وما أغرب المسابقات هناك!

وهكذا يقاس علمك وثقافتك أحيانا بقدر ما قرأت وما شهدت وما سمعت. كما تحسب ثروتك المادية بعدد ومقدار ما تملك من مال وعقار سواء بسواء!

<<  <  ج:
ص:  >  >>