(نص الكلمة التي أذاعها الأستاذ محمد سعيد العريان من محطة الإذاعة الفلسطينية بالقدس في مساء الاثنين ٩ مايو سنة ١٩٣٨ لمناسبة تمام سنة على وفاة فقيد الأدب العربي المرحوم مصطفى صادق الرافعي)
سيداتي، آنساتي، سادتي
سلام الله عليكم أهل هذه الأرض الطيبة. . . ومعذرة، وشكراً. . .
لكأني بكم ترهفون السمع لتسمعوا ما يمكن أن أحدثكم به عن الرافعي في ذكراه الأولى، وما أنا بمستطيع في هذه الفترة القصيرة من الزمن أن أبلغ ما أريد وتريدون من الحديث عن الرافعي
لم يكن الرافعي أديبا كبعض من نقرأ لهم من أدباء الصحافة ولكنه كان علما من أعلام الأدب، وإماما من أئمة الدين، وبرهاناً من براهين العربية تجالد به حين يعوزها البرهان.
ولقد يكون من فضول القول أن أتحدث إليكم عن أدب الرافعي، وآثاره الأدبية بين أيديكم وتحت أعينكم؛ وأنكم لتعرفون أدبه وتعرفونه بأدبه. ولكني قد صحبت الرافعي عمراً من عمري، فعرفته أكثر مما يعرفه الناس؛ فليكن حديثي الليلة عن الرافعي الذي عرفته. . .
لقد سمعت أسم الرافعي لأول مرة منذ بضع عشرة سنة، وكنت يومئذ غلاماً حدثاً، لا أكاد افهم ما يلقى إلي، سمعت به والإحساس طالب في الصفوف الأولى، فسمعت اسما له جرس ورنين، وله نشيد تتجاوب أصداؤه في جوانب نفسي، فحبب إلى من ذلك اليوم أن ألقاه. . .
وقال لي رفيقي:(وي! أتعرف من ذلك الذي آخذت عليه الطريق عامداً؟) قلت: (صه، لا يسمعك فيسؤني جوابه!) قال: (لا عليك! أن في آذنيه وقرأ فلا يسمع!)
وتبدلت في نفسي صورة بصورة، أمحى آلم ليحل في نفسي من بعده آلم آخر. . . وعرفت وقتئذ لماذا لم يرفع عينيه إليَّ ولم يرد التحية. . .
ولقيته بعد ذلك مرات كثيرة في الطريق، وفي القهوة، وفي السيما؛ وقرأت له مرات أكثر في الكتب، وفي الصحف وفي المجلات، وعرفته ولم أزل كل يوم ازداد عرفاناً به، ولكني لم اعرفه العرفان الحق إلا بعد هده الحادثة بعشر سنين. . . حين جلست إليه لأول مرة في