للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من خصائص الأدب المسرحي]

للدكتور محمد القصاص

مما يؤثر عن رتشار فانجر قوله: (إن المسرح في أتم أشكاله هو المكان المقدس الذي تلتقي فيه جميع الفنون وتتزاوج ويذوب بعضها في بعض. وتلك هي فكرة الفن المسرحي كما تصوره كبار التراجيديين الإغريق قبل الميلاد بقرون. والواقع أن المسرح، والمسرح وحده، هو الذي يستطيع أن يقدم للناظر الحد الأعلى من نشاط فني يتضافر فيه الفن المرئي والموسيقى والشعر، بأنصبة متساوية متناسقة، على أن تسحر بصره وسمعه وقلبه في آن واحد. ولكن أيصدق هذا الحكم في عصرنا الحالي على المسرح الغنائي وحده الأيرا البحتة) وهو الذي عناه فاجنر بلا ريب في جملته السالفة الذكر دون أن يصدق على الدرامة الأدبية، الدرامة التي تتكلم لا التي تغني؟ نحن لا نظن ذلك بأية حال لأن كل تأليف مسرحي مهما كان حظه من الروح الأدبي ومن التجريد العقلي لا يمكنه أن يستغني عن مشاركة الفنون الأخرى في تكوينه دون أن يختل توازنه ويفقد مقومات العمل المسرحي الأساسية. إذ لا سبيل له إلى القلب ولا إلى النفس دون العين والأذن. فالتمثيلية لا تفرض على مؤلفها أن يعنى بالكتابة وأن يراعى القيم الأدبية فحسب، هذا العمل الذي يتفق فيه مع كاتب المقالة والقصة والقصيدة، بل لا بد وأن يوجه اهتمامه نحو الموسيقى يصبها في كلماته ونحو الفن الجسماني من صور وحركات يحمل بها عباراته كأنه يرى أبطاله فوق خشبة المسرح. وأما هذا الإدراك السقيم الذي يسيطر على غالبية كتاب التمثيليات عندنا من بين رجال الأدب، فيجعلهم ينظرون إلى التأليف المسرحي على أنه عمل كتابي محض، فهو الذي يضرب على آثارهم بالبوار ويحرم المسرح المصري مشاركة أدباء العربية في الأخذ بيده وترقيته. بل في يقيننا أن هذا الإدراك الخاطئ قد أصاب المسرح المصري بشيء من العقم لما باعد بين الأدباء وبين المسرح.

ذلك أن الأدب المسرحي، إذا سلمنا أنه من فنون الأدب يتميز عما هو عداه بأنه يفيض عما هو مكتوب، فهو وحده من بين سائر الفنون الأدبية - ومعه الخطابة إلى حد ما - الذي يتوفر له وجودان: وجود داخل الكتاب، ووجود خارج الكتاب. وإذا أمكنه أن يستغني عن وجوده في الكتاب فلن يتأتى له أن يستغني عن الوجود خارجه، وإذا أتيح له أن لا يكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>