ذلك أن النص ليس كل شيء، وإن كنا لا ننكر أهميته الكبرى، فهو نواة الدرامة والخلية الأم التي لا يمكن الاستعاضة عنها إذا فقدت. لأن الفكر إذا ما تخلى عن النص، أي عن الألفاظ والعبارات، فقد تخلى عن تحديده لنفسه وبالتالي عن وجوده خارج المفكر. وإكثار التفكير عن المسرح أمر مستحيل الوقوع، لأن المسرح إذا باعدنا بينه وبين الفكر فقد فرغناه من لبه ومن مادته الأساسية. وهذا إزراء به وحط من قدره. ولكن هذا لا ينبغي أن ينسينا أن الدراما لها لغتها، وهي غير لغة القصيدة وغير لغة المقالة والقصة؛ لأن آثار الفن الأدبي غير المسرحي إذا لم تجد قارئها المأمول يوم صدورها أمكن لها أن تنتظر قارئاً بعيداً لم يوجد بعد. يساعدها على ذلك أن كاتبها (وهو الذي نسميه الكاتب البحت) في وسعه أن يودعها كل ما في نفسه أو جله على الأقل لا يحده في ذلك من خارج فنه إلا مقتضيات اللغة العامة من نحو وصرف ومفردات وما هو من هذا القبيل. أما الكاتب المسرحي فإنه إذا أخذ نفسه بالنظر إلى الكلمة نظرة الشاعر والقصاص فراح يمد كتابه بالكلمات الرصينة والصيغ الجميلة والتراكيب المتينة المنتعشة بالحياة، دون مراعاة لما تقتضي به ظروف المسرح الخاصة، فإنه يجعل من مسرحياته أعمالاً تصلح لغير القراءة أو الاحتفاظ بها في أحد المتاحف أو المكاتب العامة لأنها في هذه الحال تكون أعمالاً جامدة في حروفها لا تستطيع الخلاص منها: فعلى كاتب التمثيلية إذن أن يحمل كلماته بتلك القوة المسرحية التي تجعل منها كلمات مسرحية ملفوظة وفاعلة.
نعم إن الكلمة تتحكم في كل شيء (الكتاب والمسرح في ذلك سواء)، فهي مندوب القلب والفكر، مندوب النفس جميعها. غير أنها في المسرح يجب أن تمر من فم الإنسان وأن تبعث الحياة والحركة في كائنات إنسانية من لحم ودم؛ يجب أن تفعل لأنها هي التي تعطي الحياة وتملي الحديث. وهي قبل أن تصيب السامع وتحركه يجب أن تصيب وتحرك جهازاً كاملاً معقداً متناثر التركيب: هو المسرح بأسره بما فيه من أشياء مادية وكائنات إنسانية. والكاتب المسرحي وحده دون المخرج والممثل هو الذي يبعث هذه الصفات في كلماته وعباراته، في القطعة التي يكتبها بجميع مقوماتها. والكاتب المسرحي الذي يستحق هذا اللقب لا يعتبر نفسه قد خلق خلقاً مسرحياً إذا ما تناول قلمه ونشر قرطاسه وراح يسجل