عليه حلماً جميلاً من ابتكاره، غير آبه بظروف المسرح الخاصة، حتى لو كان هذا التسجيل آية في الجمال الأدبي والكمال المنطقي معا. ً أجل لا يصح لهذا الكاتب أن يعتبر نفسه أنه قد خلق عملاً مسرحياً إذا ما ألف نين جماعة تتحاب وتتباغض، تعيش وتموت، تبعاً لهواه وإرادته، دون أن يكون هذا الحلم ممكن التحقيق، ممكن (اللعب)، ممكن الظهور في الخارج وفوق خشبة المسرح. لأنه ليس في مقدور المخرج والممثل أن يخلعا على عمله ولغته من الحياة والحركة ومن الصور والأشارات ما لم يستطع هو أن يقوم به، اللهو إلا عن طريق الافتعال الظاهر، وفي هذه الحال يرى المتفرجون أنفسهم أمام قطعتين تمثلان في آن واحد ويقوم بتمثيلهما نفس الأشخاص: إحداهما ملفوظة من خلق الكاتب، والأخرى (ملعوبه) من خلق المخرج والممثل؛ أو بأن يخلقا عمله خلقاً جديداً يختلف اختلافاً جوهرياً عما أراده، وفي هذه الحال من حق كل شخص أن يتساءل لمن تنسب هذه الرواية، أللكاتب أم للمخرج وفرقته؟
نحن لا نعني بذلك أن يعمد المؤلف إلى رسم هذه الحياة في روايته بكل تفاصيلها ودقائقها حتى لا يدع شيئاً لتصرف الممثل ونزواته: فمثل هذه المبالغة تضرب على الدراما بالجمود، فهي في حاجة إلى حياة أخرى لتتفحصها وتبرزها. وإنما نعني أن يقترح على الممثل، من طريق خفي، مجموعة من الإمكانات ليختار من بينها: على الكاتب أن يشير ويبدأ، وعلى الممثل أن ينفذ ويكمل.
وهذا الذي قدمنا يفترض في المؤلف معرفة عميقة بوسائل المسرح الفنية وأن تكون له به حاسة فطرية - ولن يكون كاتباً مسرحياً دون هذه الحاسة. ويا حبذا لو أتممها في نفسه بالممارسة. فمعظم الكتاب المسرحيين الخالدين كانوا يقومون بإخراج وتمثيل ما يكتبون، مثل شكسبير ومليير. ونحن نعلم أن جان ككتو الكاتب الفرنسي المعروف الذي يقيم الآن بيننا مخرج كبير، وقد رأيته بعيني يقوم بتمثيل الدور الرئيسي لإحدى مسرحياته على مسرح الأمبسادير في باريس. ذلك أن الكاتب لا يكتب روايته للقراءة أصلاً، بل للمسرح ولمسرح خاص، ومن أجل الجمهور، جمهور خاص، ولتمثل دون تأجيل فيتحتم عليه أن يكون على معرفة عميقة بهذا المحيط.
قد يقول معترض إن اعتبار الأثر المسرحي على هذا النحو من شأنه أن يقضي على هذا