أن يكون لاحقاً بعصره الذي ألف فيه، رهناً بالظروف التي أحاطت بكتابته، ما دامت حال المسرح في تغير دائم وهذا حق من جهة وباطل من جهة أخرى. حق لأن الكاتب يجب أن يكتب للعصر الذي يعيش فيه وأن يراعي فيما يكتب ظروف المسرح العابرة وتلك الوسائل التي في متناول يده في اللحظة التي يكتب فيها بما فيها من خير وشر، ولذلك فإنه لا يكاد يبقى من عمله للأجيال المقبلة إلا المجهود الأدبي دون العناصر المسرحية التي لا يمكن إدراكها على حقيقتها إلا للذين عاصروا تحقيق الرواية؛ ونحن نعلم أن الأثر الأدبي ليس كل شيء في المسرحية. وباطل من جهة أخرى لأن التأليف المسرحي لا يمكن أن يتخطى جيله إلى الأجيال المقبلة إلا بهذه الشروط التي أسلفنا الكلام عنها. وإذا لم يبق من عمل الكاتب بعد قرن أو أقل أو أكثر من قرن إلا كلمات، فإن هذه الكلمات تكون في تلك الحال جديرة بالاحتفاظ بشيء من هذه الحركة الفعالة الخاصة بالدرامة، فإن كان صاحبها قد كتبها بعيدة عن فكرة التطبيق كان لها جمالها ولا ريب، ولكنه جمال من نوع آخر. أما إذا أحسسنا حياة عميقة تسري في شرايينها فلا شك أن هذه الحياة إنما جاءتها من أن المؤلف قد تصورها متصلة بعصرها الذي كتبت فيه، وكتبها لتحقق وسط الحياة التي عاشت فيها ومن أنها قد حييها بالفعل وفوق المسرح أناس من لحم ودم. لأن الكلمات المكتوبة إذا كانت قد كتبت حقاً لتمر بأصوات أناس ولتتقمص صورهم وتحرك أعضاءهم وتتشكل بأشكالها فلا بد لها من أن تحتفظ بهذه الذكرى. أما إذا كتب المؤلف مسرحيته دون مراعاة لفكرة التحقيق الحالي فقد فقَدَ كيانه، وما عليه إلا أن يفتش له عن مهنة أخرى.
فالكاتب المسرحي تابع لإمكانيات المسرح، تابع لإمكانيات الممثلين، وبعد أن يصفي حسابه مع الأسلوب ومع قوانين الفن المسرحي (من الحركة، وتسلسل الحوادث، والتتابع المنطقي والفن المرئي. . . الخ) يرى لزاماً أن يلجأ إلى صاحب الملابس والمزخرف والكهربائي والميكانيكي والمخرج، ثم بعد كل هذا بل قبل كل هذا إلى الممثل. ولا شك أن فن الكاتب يصاب بأفدح الخسائر إذا كان التناسق بين هذه الوسائل مفقوداً أو كان ما في المؤلف من نقص مما يتيح للمخرج أو الممثل أن يشتغل لحسابه الخاص.