للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[موت أم]

للأستاذ مصطفىادق الرافعي

رجعت من الجنازة بعد أن غبرت قدمي ساعة في الطريق التي ترابها تراب وأشعة، وكانت في النعش لؤلؤة آدمية محطمة هي زوجةديق طحطحتها الأمراض ففرقتها بين علل الموت، وكان قلبها يحيها فأخذ يهلكها، حتى إذا دنا أن يقضي عليها رحمها الله فقضى فيها قضاءه. ومن ذا الذي مات له مريض بالقلب ولم يره من قلبه في علته كالعصفورة التي تهتلك تحت عيني ثعبان سلط عليها سموم عينيه!

كانت المسكينة في الخامسة والعشرين من سنها، أما قلبها ففي الثمانين أو فوق ذلك؛ هي فيسن الشباب وهو متهدم في سن الموت.

وكانت فاضلة تقيةالحة، لم تتعلم ولكن علمها التقوى والفضيلة , واكمل النساء عندي ليست هي التي ملأت عينيها من الكتب فهي تنظر إلى الحياة نظرات تحل مشاكل وتخلق مشاكل؛ ولكنها تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة بنور الأيمان تقر في كل شيء معناه السماوي فتؤمن بأحزإنها وأفراحها معا، وتأخذ ما تعطى ن يد خالقها، رحمة معروفة أو رحمة مجهولة. هذه عندي تسمى امرأة، ومعناها المعبد القدسي؛ وتكون الزوجة، ومعناها القوة المسعدة؛ وتصير الام، ومعناها التكملة الإلهية لصغارها وزوجها ونفسها.

ومهما تبلغ المرأة من العلم فالرجل اعظم منها بأنه رجل، ولكن المرأة حق المرأة هي تلك التي خلقت لتكون للرجل مادة الفضيلة والصبر والإيمان، فتكون له وحيا وإلهاما وعزاء وقوة، أي زيادة في سروره ونقصا من آلامه.

ولن تكون المرأة في الحياة اعظم من الرجل إلا بشيء واحد هوفاتها التي تجعل رجلها اعظم منها.

ومشيت من البيت الذي ألبسته الميتة معنى القبر_إلى القبر الذي البس الميتة معنى البيت. وأنا منذ مشيت في جنازة أمي_رحمها الله_لا أسير في هذه الطريق مع الأحياء، ولكن مع الموتى، فاتبعديقا ليس رجلا ولا امرأة لأنه من غير هذه الدنيا، وامشي في ساعة ليست ستين دقيقة لإنها خرجت من الزمن، ولا أرى الطريق من طرق الحياة لأنني فيحبة ميت؛ وتصبح للأرض في رأيي جغرافية أخرى عمى الناس عنها لشدة وضوحها، كالألوهية

<<  <  ج:
ص:  >  >>