يقولون: أن الحياة هي. . . هي ماذا، ويحكم أيها المغرورون؛ أفلا ترون هذه الصلة الدائمة بين بطن الأم وبطن الأرض؟
لعمري كيف تجعل هذه الحياة للناس قلوبا مع قلوبهم، فيحس المرء بقلب، ويعمل بقلب آخر؛ يعتقد ضرر الكذب ويكذب، ويعرف معرة الإثم ويأثم، ويوقن بعاقبة الخيانة ثم يخون؛ ويمضي في العمر منتهيا إلى ربه_ما في ذلك شك_ولكنه في الطريق لا يعمل إلا عمل من قد فر من ربه. . .
هبت الريح في السحر على روضة غناء فطابت لها فعقدت
عقدتها أن تتخذ بها بيتا في ذلك المكان الطيب لتقيم فيه. . .
يالها من حكمة من التدبير! تزعم الريح الإقامة على حين كل
وجودها هو لحظة مرورها، وتحلم بالقرار في البيت وهي لا
تملك بطبيعتها أن تقف.
يالها حكمة سامية! لا يسكنها من المعنى إلا اسخف ما في الحمق!
همد الحي وانطفأت عيناه، ولكنه تحرك في تاريخه مما ضيق على نفسه أو وسع، واصبح ينظر بعين من عمله أما مبصرة أو كالعمياء؛ فلو تكلم يصف الحياة الدنيا لقال: أن هذه النجوم على الأرض مصابيح مأتم أقيم بليل. وما اعجب أن يجلس أهل المأتم في المأتم ليضحكوا ويلعبوا!
ولو نطق الموتى لقالوا: أيها الأحياء، أن هذا الحاضر الذي يمر فيكون ماضيكم في الدنيا هو بعينه الذي يكون مستقبلكم في الآخرة، لا تزيدون فيه ولا تنقصون. وان الدنيا تبدأ عندكم من الأعلى إلى الأدنى، من العظماء إلى الفقراء؛ ولكنها تنقلب في الآخرة فتبدأ من الفقراء إلى العظماء؛ وانتم ترسمونها بخطوط المطامع والحظوظ، ويرسمها الله بخطوط الحرمان والمجاهدة. أن التام على الأرض من تم بمتاعها ولذاتها، ولكن التام في السماء من تم بنفسه وحدها.