صدر أخيرا كتاب بالفرنسية في مجلدين عنوانه (سنت هيلانه) بقلم مسيو أوكتاف أوبري. والكتاب مثل بديع للتاريخ القصصي أو القصص التاريخي؛ ومن الواضح أن مسيو أوبري لم يرد أن يقدم لقارئه (سنت هيلانة)، تلك الجزيرة المنسية النائية، وإنما أراد أن يقدم تفاصيل المأساة التاريخية العظيمة التي كانت سنت هيلانه مسرحا لها، ونعني اعتقال الإمبراطور نابليون بها مدى ستة أعوام، ثم وفاته وثواءه الأخير بها. ولقد كانت مأساة سنت هيلانه في حياة نابليون أعظم من أي حرب ومن أي موقعة؛ فقد جعلت من الإمبراطور العظيم مسيحا آخر، وشهيدا؛ وما هي سنت هيلانه؟ هي جزيرة صغيرة طولها ستة عشر كيلو مترا، وعرضها اثنا عشر كيلو مترا، وترتفع عن سطح البحر بمئات الأمتار، وتبعد في أعماق المحيط نحو خمسمائة كيلو متر عن الشاطئ الأفريقي، فهذه البقعة النائية القفراء هي التي اختارتها إنكلترا لاعتقال أعظم جندي وقائد في العصر الحديث
ويستعرض مسيو أوبري في كتابه تاريخ الإمبراطور منذ هزيمته وأفول نجمه في سنة ١٨١٥، ثم اعتقاله وإقامته في المنفى حتى وفاته سنة ١٨٢١؛ ولم يصدر من قبل كتاب أوفى وأدق عن هذه الفترة من حياة نابليون. وقد كتب من قبل عنها كتاب عدة، بالاعتماد على الوثائق والمذكرات المختلفة التي تركت من زملاء نابليون في المنفى؛ ولكن مسيو أوبري لم يكتف بالوثائق المكتوبة، بل سافر إلى سنت هيلانه، وأقام مدى أسابيع في (لونجوود) وهو المنزل الذي سكنه منذ معتقله حتى وفاته؛ واستعرض هناك الوثائق الإنكليزية ورسائل السير هدسون لو سجان الإمبراطور، ورسائل زملائه في المنفى وأطبائه، وهي وثائق تملأ نحو تسعين مجلدا كبيرا؛ ولم يترك صغيرة ولا كبيرة في حياة الإمبراطور وحياة زملائه في المنفى إلا أستوعبها. وتستطيع أن تتأمل في كتاب مسيو أوبري، لا صورة الإمبراطور وحدها، ولكن صور أولئك الرفاق المخلصين من الرجال والنساء الذين ربطوا حياتهم بحياة سيدهم؛ فهناك أسرة مونثولون، وأسرة برتران، والجنرال كورجو، والسكرتير لاسن كاز، والوصيف مرشان، والطبيبان أوميارا ومنيول؛ هذا عدا حاشية الإمبراطور من الحراس الذين رتبتهم الحكومة الإنكليزية؛ ومما يشوق