في عدد الرسالة الأخير (٣٩٠) كتب الأستاذ الدكتور محمد البهي مدرس علم النفس والفلسفة بكلية أصول الدين مقالاً فيه صدق كثير، كان عنوانه (شخصية الأزهر العلمية)
وقد قلت إن هذا المقال فيه صدق كثير، وهذا أكبر ما يمكن أن يُمدح به كاتب في هذا الزمن، وفي هذا البلد الذي فيه قول الصدق من أكبر العيوب ومن أكبر المعوقات للذي يريد أن ينجح وأن يصل إلى ما يريد يسلك له كل طريق
وقد أثار هذا المقال الجيّد الصادق في نفسي طائفة من الخواطر أعتقد أن فيها - هي أيضاً - صدقاً كثيراً وفيها صراحة، وهذا حسبي
عندما عاد فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي إلى مشيخة الأزهر منذ سنوات خمس، كان من ضمن منهاجه الإصلاحي لتجديد الأزهر والتفكير الديني بعثُ البعوث من علمائه ومن أساتذته إلى أوربا، وكان ذلك في رأينا أجرأ ما أقدم عليه شيخ للأزهر وأعظم ما فكر فيه مصلح شرقي بعد الشاذلي باشا لتقويم الحياة العلمية في الأزهر وتوجيه التفكير الديني وجهة الحياة والنماء والإصلاح، وتقويم هذه الحياة العلمية وتوجيهه هذا التفكير الديني وجهة الخير، هما أمتن العُمد وأرسخ الأسس للإصلاح الشامل في مصر والشرق
وعلى هذا الأمل العريض قابلنا وقابل المخلصون من المصلحين اختيار البعثة الأولى من هذه البعوث الأزهرية إلى أوربا، وكانت بعثة فؤاد الأول إلى فرنسا وإنجلترا وألمانيا
وقام لوداعها فضيلة الشيخ الأكبر ومن خلفه العلماء والأزهريون، ثم خطبها وخطبهم أنه سيجعل الأزهر وتجديده ونماء غرسه الإصلاحي فيه وديعة بين يدي هذه الطائفة المختارة من رجاله ومن أساتذته؛ إذ يعودون من بعثاتهم وقد تلقحت ثقافتهم الأزهرية بلقاح جديد واستفادوا من جامعات أوربا طرائق تفكيرها ومناهج بحثها وخصائص إنتاجها العلمي
وكان جميلاً وكان حقاً ما تحدث به شيخنا الأكبر لو أن الأمور سارت إلى نهايتها كما بدأت
وقد سافرت بعوث الأزهر إلى أوربا واستقر أعضاؤها في باريس ولندن وفي برلين يدرسون في جامعاتها. ومضت سنوات خمس عاد بعدها فريق من أعضاء هذه البعوث وقد أتم دراساته فيها، وفاز بما قصد إليه من الألقاب العلمية والدرجات الدراسية