أستطيع أن أتحدث إليك يا نفس، وأن آمن أن يتسمع إلى حديثنا ناقد أو حاقد فينشره؛ فما كل ما يعلم يذكر، وما كل ما يذكر ينشر.
كان الشعب والجيش في أسبوع القران المصري الإيراني السعيد قصيدة شاعرة الأبيات بالجمال والحب، وملحمة عامرة الأناشيد بالفخار والمجد، تجلت فيهما عبقرية الجنس ونبالة التاريخ وأريحية النيل، ودلتا على أن الشعب يتقدم بصيراً بالفطرة ككرام الطير، وأن الجيش يولد جباراً بالروح كآلهة الإغريق. والفطرة والروح من عمل الله الذي أحسن كل شيء خلقه، وهدى كل حي طريقه.
أما الأدب والفن وهما من خلق الناس فكانا - على حسبما بلغته عيناي وأذناي - موضع النقص وموضوع النقد. ومن الظلم لمواهب هذا البلد الكريم أن يكون ما ذاع منهما في هذا الأسبوع التاريخي مقياساً لقرائحه وترجماناً لعواطفه. وأسارع إلى استثناء النثر من أنواع الأدب؛ فقد كان أجمل الزهر الذي نثر على العروسين، وأنفس الدر الذي قدم إلى التاجين، وأصدق الدلائل على مكانة مصر في المدنية والعقلية والثقافة. . .
ولكن الشعر كانت كثرته الكاثرة كزقزقة الأفراخ النواهض في صبح من أصباح مارس: هي إلى الصُئِىَ أقرب منها إلى التغريد، وعلى المحاكاة أدل منها على التجديد، وفي التشابه أدخل منها في التنوع. والله وحده يعلم الآن موقف امرئ القيس من الجاحظ في الجنة أو في النار، وأحدهما يرى فنه يذوي ويهوي وينطوي، ولآخر يرى فنه ينمو ويسمو وينتشر!
ومهما يكن من قصور الشعر فإن فن الكلام في مصر أنبض الفنون الرفيعة بالحياة وأسبقها إلى النهوض وأدناها من الغاية. فإنك إذا وازنت بينه وبين التمثيل والموسيقى في هذا الأسبوع على الأقل والأخص عجبت كيف يتقدم فن الأمة المفكر هذا التقدم، ويتأخر فنها المصور هذا التأخير، حتى يكون ما في ذلك من الخلق والجدة والتطور والشعور، معادلا لما في هذا من النقل والركود والجمود والبلادة.
فالتمثيل - ومظهر النبوغ المصري فيه (الفرقة القومية) - كان خذلاناً من الله لإدارة هذه الفرقة، وبرهاناً من نفسها للناس على أنها لا تعلم ولا تعمل ولا تدير.