وكانت الساعة الثانية تكاد تنتصف. . . تلك الساعة التي يهمد فيها الجسم، ويخمد الذهن، وتفتر الأعصاب، ويستعد فيها الموظفون في جميع دواوين الحكومة للانصراف
وكنت قد انتهزت فرصة وجود مجموعة من الأدباء المعروفين جاءوا لزيارتنا فأثرت موضوع الشعر المرسل. . وكان الحوار قد استحر برغم همود الأجسام وخمود الأذهان وفتور الأعصاب، فهذا يرى أنه قد آن الأوان لإدخال هذا اللون من ألوان الشعر في القريض العربي، وذاك يستنكره ويضيق به، وهذا يعرف ما له من الخطر في آداب اللغات الأوربية ولا سيما في نظم الملحمة والدرامة والقصة، إلا أنه لا يتصور كيف يمكن إقحامه على الشعر العربي الذي تتحكم فيه القافية هذا التحكم السخيف الذي اختص به من دون أشعار العالم
ثم دعيت إلى التليفون فجأة، وإذا أخي محمد. . . مدير إدارة الرسالة يدعوني إلى الدار لكتابة مقال لأحد العددين اللذين يطبعان قبل العيد دفعة واحدة. . . فقلت له: ولماذا أحضر إلى الدار ولم أتعود الكتابة خارج منزلي؟ فذكر لي: إن هذا هو ما أشار به الأستاذ رئيس التحرير. ثم أردف هذا بأنه ينبغي أن يفرغ من طبع العدد كله مساء ذلك اليوم، ولذلك (فيجب) أن يبدأ الطبع في تمام الساعة الرابعة. . . أي ساعتين. . . والأستاذ في المنصورة (على فكرة!)
فتبسمت، وقلت له. . . إذن، سأحضر!
ولم يعد في ذهني منذ هذه اللحظة أثر للشعر المرسل، ولا للشعر الحر، ولا لتلك الفروق الواسعة بين الشعر المرسل والشعر الحر. . . بل نسيت موضوع الشعر كله. . . بل نسيت زائري الأفاضل، وأن كنت قد وضعت ذراعي في ذراع واحد منهم، ثم توجهت معه إلى الرسالة. . . سيراً على الأقدام. . .!
وكان صديقي هذا هو السبب في إثارة موضوع الشعر المرسل، فكان يحاول وصل الحوار في الطريق، ولكن هيهات. . .! لقد كنت عنه وعن الشعر المرسل في شغل. . . وكان أهم