ما يشغلني هو الموضوع الذي تسهل الكتابة عنه في رمضان، وفي مثل هذا الوقت من النهار، وفي مثل حالتي من التعب وخمود الذهن وفتور الأعصاب،. . . ثم. . . في ساعة. . . ساعة واحدة! وأين؟ بعيداً عن الغرفة الهادئة التي تشرف على حدائق شبرا الغناء وحقولها الفيحاء، والتي تعودت أن أكتب فيها في سهولة ويسر، وفي غير مشقة أو عناء. . .
وكنت كلما صرفت صديقي عن موضوع الشعر المرسل أبى إلا أن يعود إليه. . . فقلت: إذن أشغله بما يشغلني، وأشركه في البحث عن الموضوع الذي تسهل الكتابة فيه بالرغم مما يحدق به من تلك الظروف. . . فقلت له:
افرض يا صديقي العزيز أنك عدت تلميذاً في المدارس الثانوية، لا طالباً في الجامعة. . . أو افرض أنك رأيت هذا فيما يرى النائم، وأنك تجلس الآن - أي في المنام - في لجنة الامتحان لشهادة الثقافة مثلا. . . مثلا. . . وأنك تسلمت ورقة أسئلة اللغة العربية، فوجدت في رأسها في المكان المخصص لأسئلة الإنشاء هذا السؤال: اختر موضوعاً من عندك يتعلق بمشكلة اجتماعية من مشكلات هذا العصر واكتب فيه من ثلاثين إلى أربعين سطراً (بشرط ألا تتعرض للأحزاب المصرية بخير أو شر!) فماذا عسيت كنت تختار؟
وافتر صديقي عن ابتسامة خبيثة طويلة عريضة وقال: كنت أكتب عن الشعر المرسل!
فقلت له: وهل للشعر المرسل علاقة بالمشكلات الاجتماعية الحاضرة! أتريد أن تشق علي أو تشق صدري يا أخي؟
فقال لي وهو ما يزال محتفظاً لفمه الهائل بابتسامته الصائمة الظامئة الجائعة: كلا. . . ولكنه الموضوع الوحيد الذي أستطيع أن أكتب عنه بحرية مطلقة، دون أن أتعرض للأحزاب المصرية بخير أو بشر!
وكنا قد بلغنا دار الرسالة فلم أرد عليه؛ فلما صعدنا إلى الإدارة استأذنته في ساعة أغيب عنه طوالها بعد أن شغلته بكتاب رجوت أن يتلهى به عن الشعر المرسل. . . ولم يفته أن يسألني فيما أصرف تلك الساعة من هذه الظهيرة القائظة فتبسمت ابتسامة أطول من ابتسامته وأعرض، وأشد جوعا وظمأ، ثم قلت له: حيث أجيب عن السؤال الأول من أسئلة الإنشاء في امتحان الثقافة يا صديقي، وسأجتهد ألا أخرج عن الموضوع كما خرجت. . .