البحتري: قال إبراهيم بن الحسن بن السهل: كان المأمون يتعصب للأوائل من الشعراء، ويقول: انقضى الشعر مع ملك بني أمية. وكان عمي الفضل بن سهل يقول له: الأوائل حجة وأصول، وهؤلاء أحسن تفريعاً. إلى أن أنشده يوماً عبد الله بن أيوب التيمي شعراً مدحه فيه، فلما بلغ قوله:
ترى ظاهر المأمون أحسن ظاهر ... وأحسن منه ما أسرّ وأضمرا
يناجي له نفساً تريع بهمة ... إلى كل معروف وقلبا مطهرا
ويخشع إكباراً له كلُّ ناظر ... ويأبى لخوف الله أن يتكبرا
فقال للفضل: ما بعد هذا المدح، وما أشبه فروع الإحسان بأصوله!
٣١٩ - أشعر الشعراء
في (المثل السائر) لابن الأثير: يُروي عن بشار أنه وصف نفسه بجودة الشعر والتقدم على غيره، فقيل له: ولِمَ ذاك؟ فقال: لأني نظمت اثنتي عشر ألف قصيدة وما تخلو واحدة منهن من بيت واحد جيد، فيكون لي اثنا عشر ألف بيت. وقد تأملت هذا القول فوجدته على بشار لا له، لأن (باقلا) لو نظم قصيداً ما خلا من بيت واحد جيد. وقد وصل إلى ما بأيدي الناس من شعره فما وجدته بتلك الغاية التي ادعاها لكن وجدت جيده قليلاً بالنسبة إلى رديئه، وتندر له الأبيات اليسيرة. وبلغني عن الأصمعي وأبي عبيدة وغيرهما أنهم قالوا هو أشعر الشعراء المحدثين قاطبة، وهم عندي معذورون لأنهم ما وقفوا على معاني أبي تمام وأبي الطيب ولا على ديباجة البحتري. وهذا الموضع لا يستفتي فيه علماء العربية، وإنما يستفتي فيه كاتب بليغ أو شاعر مفلق، فإن أهل كل علم أعلم به. على أن علم البيان من الفصاحة والبلاغة محبوب إلى الناس قاطبة؛ وما من أحد إلا يحب أن يتكلم فيه حتى أني رأيت أجلاف العامة وأغتام الأجناس كلهم يخوضون في فن الكتابة والشعر، ويأتون بكل مضحكة. والمذهب عندي في تفضيل الشعراء أن الفرزدق وجريراً والأخطل أشعر