الشعراء أولاً وآخراً، ومن وقف على دواوينهم علم ما أشرت إليه. وأشعر من هؤلاء عندي الثلاثة المتأخرون وهم أبو تمام والبحتري والمتنبي فإن هؤلاء الثلاثة لا يدانيهم مدان في طبقة الشعراء؛ أما أبو تمام وأبو الطيب فربا المعاني، وأما أبو عبادة فرب الألفاظ في ديباجتها وسبكها.
٣٢٠ - الشعر المغسول
في (الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء) لأبي عبيدة الله المرزباني: قال البحتري: دعاني علي بن الجهم فمضيت إليه، وأفضنا في أشعار المحدثين إلى أن ذكرنا أشجع السُّلَمي. فقال لي: إنه (يُخلى) وأعادها مرات ولم أفهمها، وأنفت أن أسأله عن معناها، فلما انصرفت أفكرت في الكلمة، ونظرت في شعر أشجع فإذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولة، وليس فيها بيت رائع، وإذا هو يريد هذا بعينه: إنه يعمل الأبيات ولا تصيب فيها بيتاً نادراً كما أن الرامي إذا لم يصب من رشقه كله الغرض بشيء قيل (أخلي) فجعل ذلك قياساً، وكان علي بن الجهم عالماً بالشعر.
٣٢١ - وإنما لمعان تعشق المصور
أبو القاسم غانم بن أبي العلاء الأصبهاني:
قوم لو أنهمُ ارتاضوا لما قرَضوا ... أو أنهم شعروا بالنقص ما شعروا
لا يحسن الشعر ما لمُ يسترقَّ له ... حرّ الكلام، وتستخدمْ له الفكَر
أنظرْ تجدْ صور الأشعار واحدة ... وإنما لِمعانٍ تعشق الصور
٣٢٢ - اختيار الوزن والقافية
قال الصاحب في رسالته (الكشف عن مساوئ شعر المتنبي): كنت أقرأ على (الأستاذ الرئيس ابن العميد) شعر ابن المعتز متخيراً الأنفس فالأنفس، فابتدأت قصيدة على المديد الأول، فرسم تجاوزها، وقدَّرته يحفظها ولا يرضاها. فسألته عنها، فقال: هذا الوزن لا يقع طلبه للمحدثين جيد الشعر. فتتبعت عدة قصائد على هذا الضرب فوجدتها في نهاية الضعف. وسمعته (أيده الله) يقول: إن أكثر الشعراء ليس يدرون كيف يجب أن يوضع الشعر، ويبتدأ النسج، لأن حق الشاعر أن يتأمل الغرض الذي قصده، والمعنى الذي