هل هنالك حضارة عالمية اشترك في تكوينها جميع أفراد البشر على اختلاف إشكالهم وأجناسهم؟ أم هل هنالك حضارات مختلفة لكل حضارة ميزة وعقلية تمثل عقلية الجيل أو الأمة؟ أم هل هنالك حضارة واحدة تغذي العالم كله وتشع عليه كما تشع الشمس على الأرض؟ تلك نظريات مختلفة تمثل نزعات علمية وسياسية متضاربة وغايات متباينة. غير أن الرأي السائد اليوم بيم جمهور المؤرخين ومنقبي تأريخ الحضارة هو أن هنالك تفاوتاً بين البشر، كما أن هنالك تفاوتاً بين الحيوان أو النبات، وأن الحضارة التي هي إنتاج البشر العقلي تختلف لذلك تبعاً لاختلاف المجموعات البشرية، وهذه النظرية على طرفي نقيض مع نظرية (١٧٤٤ - ١٨٠٣)، ونظرية التطور التاريخي للفيلسوف (١٧٧٠ - ١٨٣١)، ونظرية (الإنسانيين) وأتباع الكنيسة من المؤرخين.
والمسألة لم تقف عند هذا الحد مع ذلك بين أصحاب نظرية تعدد الحضارات، إذ أن من بين هؤلاء من يدين بفكرة تأثر الحضارات بعضها ببعض، كما هي نظرية الفيلسوف الألماني - مؤسس (دار الحكمة) في مدينة الألمانية والمستشرق وجمهور من المستشرقين، كما أن هناك مثل الفيلسوف من يقول بتعدد الحضارات مع وجود نفسية خاصة لكل حضارة، أو استقلال تام كما هو رأي الفيلسوف
أما أصحاب فكرة وجود حضارة واحدة هي سبب هذا التطور العالمي والتقدم البشري المطرد فهم أصحاب العواطف المتطرفون من الأوربيين كالفرنسي رينان في محاضراته التي ألقاها في عام ١٨٨٣ في كتابه تاريخ الحضارة السامية وكرافر كوبينو والنازيين الألمان وفاشست إيطاليا. ولكن معظم أصحاب هذه النظرية هم أناس ليسوا ذوي اختصاص في الموضوع ولا دراسة ناتجة عن استقراء علمي محدود، بل هم من ذوي الطريقة الفلسفية العامة التي تحاول الإلمام بكل شيء وتضع القوانين حسب وقواعد رأتها صالحة لذلك. والحضارة العربية في نظر هؤلاء حضارة سطحية ظاهرية أنتجتها عقلية آرية ومنابع يونانية فارسية هندية غوطية. وحيثما وجد الإنسان ظاهرة من ظواهر الحضارة في البلاد العربية فلا بد من إرجاعها على عقلية آرية وإنتاج غير سامي. ودوزنبرك الدكتاتور