النازي للشؤون الثقافية الذي لم يسلم إلا بالزخارف المعروفة باسم يحاول الحط من قدر هذه، فيجعلها تمثل عقلية ساذجة لا غير.
غير أن النظريات لا قيمة لها أبداً إن لم تدعم بالنصوص والبراهين، كما أن الاستشهاد بحادثة أو رواية لا يتخذ حجة للحكم به على أمة. وإني أستطيع أن أجعل من الأمة الجرمانية أمة همجية بربرية مادية خاملة لم تنهض إلا أخيراً، كان يحاول زعماؤها إيقاظها، بالاستناد إلى النصوص الجرمانية نفسها المجموعة في المصادر والمنابع عن التأريخ الجرماني. ويستطيع كل مؤرخ أن يفعل ذلك في تاريخ أي أمة كانت ولا سيما إن كانت أمة ضعيفة في وقته منحطة. وأستطيع أن أقول إن الأمة العربية لو كانت في الوقت الحاضر قوية لكانت النظرية على العكس تماماً. وفي المصادر والنقوش الأثرية ما يبرهن على أن وضع حدود وحواجز بين حضارة وحضارة ومحاولة عزل الحضارات بعضها عن بعض أمر غير ممكن. حتى في المسائل الروحية تتأثر الأمم بعضها ببعض. فمحاولة كتابة تاريخ أوربي فقط لا تنجح تماماً إن لم يتطرق المؤرخ في بحثه إلى الحضارة الإسلامية، كما أن محاولة كتابة تاريخ عربي مجرد عن ذكر أي تأثير للحضارة الغربية محاولة فاشلة غير علمية.
ولو درس التاريخ العربي كما يدرس التاريخ بجميع فروعه في الجامعات لأوربية، أو لو انصرف المؤرخون إلى دراسة النصوص الأوربية على العلاقات بين أوربا والشرق الأدنى لتغيرت نظرية أصحاب العزلة تماماً. وهناك مؤثرات أثرت تأثيراً شديداً من جانب العرب ليست في الحياة المادية بل في الحياة الروحية الأوربية التي هي من أصعب الأشياء لما بين العقليتين من فروق. ومن أمثلة ذلك الشعر في القرون الوسطى وظهور نوع جديد منه هو الشعر الغزلي على الطريقة الشرقية والروايات العربية والتصوف الذي أطلق عليه اسم (التصوف الألماني) وكان زعماؤه يجيدون اللغة العربية ودرسوا وترجموا الكتب إلى اللغة اللاتينية.
وقد غير كثير من أصحاب نظرية (الشرق شرق والغرب غرب) نظريتهم حين توغلوا في البلاد العربية وجابوا البلاد الأفريقية، وتوصل بعضهم إلى أن الحضارة العربية تعود إلى الحضارة الأوربية لا الحضارة الأسيوية، وأن السيد أمير علي المسلم الهندي أقرب جداً إلى