أوربا عقلاً وثقافة من الفيلسوف طاغور الأسيوي فكراً وعقلاً. كما لاحظ الأوربيون الذين ذهبوا إلى السودان وأعالي النيل أن التفاهم مع المصريين المسلمين كان يزداد يوماً فيوماً كلما تقرب هؤلاء من العالم الأسود، وكذلك كان الحال في نواحي أفريقية الأخرى. كما لاحظ المستشرقون أن اللغات الهندية الأوربية تتقارب مع السامية جداً بالنظر إلى اللغة السودانية أو لغة البانتو مثلاً. وقد ظهر أن الأتراك أقرب إلى أوربا عقلياً من اليابان، مع أن اليابان هي في مدنيتها أوربية محضة، ولكنها في حضارتها أسيوية محضة، وقد جعلوا سبب ذلك تأثير الحضارة الإسلامية. وأغرب من ذلك هو أن القبائل الأفريقية أو قبائل الهند الهولندية حينما تسلم تسرع إلى لبس الملابس وإلى التقرب من الأوربيين أكثر من الوثنيين الابتدائيين. وهذه المسألة كانت من أهم المسائل التي درستها الحكومة الألمانية قبل الحرب لتعيين سياستها تجاه الإسلام.
يرجع بيكر ذلك إلى الأصول التي تتألف منها كل من الحضارتين الأوربية والعربية، فبينما نجد الحضارة اليونانية الرومانية والحضارة المسيحية والحياة اليومية الأوربية هي الأسس التي تكون الحضارة الأوربية نرى الحضارة العربية متأثرة بالعاملين الأولين مضافاً إليهما العقلية السامية الخاصة، وهذا هو سبب التقارب الموجود بين الحضارتين ولكن ذلك لا يعني أن الحضارة العربية مشتقة أو هي جزء من الحضارة الأوربية، بل هي وسيلة بين الحضارة الأوربية والحضارة الأسيوية لها مميزاتها الخاصة ومثلها العليا، ونظرتها العالمية.
هنالك حضارة كما أن هنالك مدنية، ومن الخطأ عدم التفريق بينهما، كما أن من الخطأ تفضيل حضارة على حضارة بصورة مطلقة دون قيد أو شرط، إذ أن كل الحضارة تمثل نفسية خاصة هي وليدة عوامل مختلفة، ومن الخطأ كذلك أن تتكلم عن حضارة أوربية بصورة عامة، إذ أن بين شعوب أوربا من البون الشاسع كما في شعوب البلقان ما لا يسوغ لنا إطلاق هذا التعبير. كما أن من الخطأ نكران الحضارات الأخرى، ولدينا أمثلة من الحياة اليومية لا تنكر.