للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دراسات تحليلية]

إبراهيم بن أدهم

للأستاذ عبد الموجود عبد الحافظ

على سرير الملك، وبين بريق الذهب الذي يخطف الأبصار وشتى ألوان العز والسيادة: ولد الزاهد الورع والثقة المأمون، إبراهيم بن أدهم بن منصور بن عمار بن إسحاق التميمي، من أعرق بيوت الملك في فارس والعراق. ولد في بلخ إحدى بلاد خراسان. وشب تحيط به أبهة الملك وجلاله، وحوله أنواع من اللهو والمجون، اللذان يصاحبان الترف والنعيم، فتوفر إبراهيم على إمتاع نفسه بمختلف الألوان وألقى لها زمام الهوى ترتع من أنغام المزامير والألحان، وتنتشي بحلو الأهازيج وعذب الأنغام.

وقد شهدت له البلاد أروع حلقات الرماية وأمتع مواكب الصيد، وهو على صهوة جواده الأشهب لا يعلق بغباره فارس ولا يجاريه في الرماية منافس، فهو الرامي الذي لا يخيب له سهم ولا ينجو من رميته صيد مهما أوتي من سرعة وخفة.

وشغل إبراهيم نفسه وترك أمر الملك الذي ينتظره، ومقاليد البلاد التي تتطلع إليه، وراءه ظهرياً، فهو وحيد أبويه ووارث ملك أبيه من بعده فتوجس الناس خفية من أن بلي الملك هذا الفتى اللاهي، ويتسلم مقاليدهم هذا الخليع المستهتر.

وفي يوم من أيام الجمعة بينما الناس خارجون من بيوتهم، قصدين بيوت ربهم، ملبين دعوة الداعي - حي على الصلاة - إذا موكب حافل يشق المدينة يتوسطه الفتى الفارس إبراهيم، يتهادى على فرسه، وحوله أبناء الأمراء وخاصته المقربون، خارجون إلى الصيد، فتهامس الناس في غضب وسخط: أما يرعوى هذا الخليع في يوم الجمعة المقدس، أفي مثل هذه الساعة يخرج إلى الصيد والقنص وكان أولى به أن يذهب إلى بيت الله؟ ومر إبراهيم بالمساجد الواحد بعد الآخر وعلى مآذنها المؤذنون يدعون الناس إلى الصلاة ويناجون رب السماء، فلم يلق بسمعه إلى ندائهم؟ وما كان لهذا النداء أن يرقي إلى سمعه وسط هذا الضجيج الذي تحدثه سنابك الخيل، ورنين السيف.

وخرج الموكب من المدينة مشيعاً من الناس بالسخط والألم لهذا الاستهتار الشنيع بأمور الدين والتحدي لحرمات الله سبحانه وتعالى في يوم من أيامه المقدسة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>