هذه القضية من أكبر القضايا الإسلامية، وقد قام المسلمون وقعدوا لها، وعدوها على معاوية بن أبي سفيان في أربع عدوها عليه. روى ابن الجوزي بإسناده عن الحسن البصري أنه قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة، وهي أخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة، وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلاف ابنه يزيد وكان سكيراً خميراً، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجر بن عدي، فيا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر
وهذا إلى ما بلغه عدد الشهود في هذه القضية، فقد بلغوا فيها سبعين شاهداً، ولم تصل إلينا قضية إسلامية بلغ الشهود فيها مثل هذا العدد، وكل هذا يدل على ما لهذه القضية من الشأن في الإسلام، وسنقوم بدرسها غير متأثرين فيها إلا بما يقضي به الشرع، لأن حكمه فوق كل شخص، ويجب أن يكون نافذاً في الناس كلهم، كبيرهم وصغيرهم، ورفيعهم ووضيعهم
كان حجر بن عدي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهد القادسية في خلافة عمر، وشهد بعد ذلك الجمل وصفين وصحب علياً، فكان من شيعته، وكان من أعظم الناس ديناُ وصلاة وعلماً، ولكنه كان مغالياً في تشعيه، حتى إنه لم يسترح لما استراح له الناس جميعهم من تسليم الحسن بن علي لمعاوية ابن أبي سفيان. واجتماع كلمة المسلمين بعد ذلك الخلاف الذي كاد يقضي عليهم
وقد تم ذلك الصلح سنة إحدى وأربعين من الهجرة، فاستعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة، وأوصاه فيما زعم المؤرخون ألا يترك شتم علي وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب لأصحاب علي والإقصاء لهم، والإطراء بشيعة عثمان والإدناء لهم، فأقام المغيرة عاملاً على الكوفة وهو أحسن شيء سيرة، ولكنه كان لا يدع شتم علي والوقوع فيه، والدعاء لعثمان والاستغفار له، فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل إياكم ذم الله ولعن، ثم قام وقال: أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل، ومن تزكون أولى بالذم؛